قصة حكاها لي بالأمس أحد أقاربي من الذين عاشوا فترة الاستقرار و الوفرة الاقتصادية في ليبيا مابين سنة 1960 الى 1970
هذا الشخص يدعى محمد من مدينة مصراته في الغرب الليبي ، انتقل مع والديه الى مدينة البيضاء في شرق البلاد لغرض التجارة .
كانت مدينة البيضاء ذلك الوقت مدينة الملك الليبي ادريس السنوني وهي مشهورة بالعلوم الدينية وكثرت المكتبات الثقافية فيها آنذك .
كان محمد يدرس في الصف الرابع الابتدائي ،وبسبب انه بعيد عن مدينته الأم لم ينسجم مع الاطفال في المدينة الجديدة، فكان ملجأه الوحيد للانعزال على العالم هو المكتبة ، كان كل يوم عندما يرن جرس فترة الاستراحة بين الحصص يذهب الى المكتبة المقابلة للمدرسة دون علم مدير المدرسة بذلك ، حيث كان يهرب من فوق الاسوار ثم يرجع بعد نصف ساعة عند انتهاء فترة الاستراحة.
في يوم من الايام اخذته القراءة ونسى موعد انتهاء الاستراحة ، أصابه الرعب لما سيفعل به مدير المدرسة وماسيفعل به والده عند رجوعه الى البيت .
شعر مشرف المكتبة بتضايق محمد ، فشرح له محمد القصة فما كان من المشرف الا ان اخد بيده ورجع به الى المدرسة ودخل به على المدير .
سأله المدير كيف كنت تخرج فشرح له كذلك قصة الهروب، فقال له المدير لا تفعل هذا مرة اخرى ولكن * اخرج من الباب الرئيسي *
تخيل ان مدير مدرسة مدرسة في ذلك الوقت لم يضربه او يؤنبه على فعلته !!!
وكاالمعتاد يذهب محمد كل يوم المكتبة وتحصل أيضا على بطاقة استعارة من مشرف المكتبة .
بعد ايام قال له المشرف سأعطيك قصة وانت اعد كتابتها في المنزل ، فرجع محمد الى المنزل واعاد كتابتها ، وفي اليوم التالي قال له هناك مسابقة سأضع اسمك في قائمة المشاركين ، ثم قال له اعد كتابة القصة اللتي كتبتها بالامس بحسب فهمك لها .
اعاد محمد كتابة جزء منها واخد منه المشرف القصة وقال له هذه الورقات سأسلمها لاعضاء تحكيم المسابقة .
استغرب محمد من ذلك ، كيف تكون مسابقة بدون اسئلة!!
بعد ايام تحصل على الترتيب الثاني في المسابقة دون تعب بل كانت ورقات كتبها في اقل من نصف ساعة لا اكثر ،وكانت الجائزة اشتراك سنة كاملة في احدى المجلات العربية ، ومجموعة من القصص اللتي لا بأس بها .
الشيئ الذي اريد ان اوضحه لكم من القصة هو
كيف كان تفكير الناس في تلك الفترة ،
كيف كان تصرف صاحب المكتبة عفوياً ،
كيف استطاع ان ينمّي مهارات طفل دون ان يشعر الطفل بأي شئ .
المدير لم يوبخ الطفل بل أرشده إلى ماهو افضل من ذلك !
مع العلم مشرف المكتبة كان قد درس سنتين في الجامعة فقط وهو رجل كبير في العمر كان قد جاوز عمره ذلك الوقت 50 عاما
الان محمد يملك مخزن ثقافي ضخم ، ربما تسأله عن أي شئ يكون عنده فكرة عن ذلك ، كل ذلك كان من المعاملة الحسنة واسلوب التدريس الراقي الذي نفتقر اليه الان .
التعليقات