قبل سنوات مضت.. ارتديت النظارة من عمر مبكر، وأصبحت وكأنها جزء مني.. كان لايمكنني الاستيقاظ صباحا، دون أن أرتديها، وأرى تفاصيل الحياة أمامي مثل الجميع.

بدا الأمر عاديا لسنوات طويلة..

والنظارة لا يمكن التخلي عنها لساعة واحدة، جربت أيضا استخدام العدسات اللاصقة، سببت لي إلتهابات شديدة، وجروح في العين، لذا فقد كانت النظارة هي الأحب لقلبي، وهي شقيقة الحياة التي من خلالها أرى العالم.

في أحد الأيام.. أصرت أمي على أخي أن يضع ماله لاستثماره في صحتي، بأن أعمل عملية تسمى ليزر، بحثنا عن طبيب جيد، وقمنا بعمل الإجراءات الكاملة.

عندما وقعت على عقد إخلاء المسؤولية.. قال لي الطبيب: يمكن أن يعود النظر لطبيعته، لا تنسي هذه الجملة!

وبالطبع نسيتها!

اليوم الأول بعد العملية، فتحت عيوني لأرى كنب أهلي المورد، يتلألئ لأول مرة، وكأنني أراه لأول مرة، ورداته البيضاء كانت ناصعة، ولونه الأخضر كان نظيفا للغاية، رأيت جميع التفاصيل من مكان سريري البعيد جدا.. حيث كنت في غرفتي وأرى الكنب الموضوع في الصالة المقابلة بوضوح تام!

وبدون نظارة!!!!

كانت من أجمل لحظات عمري..

قطعت شوطا من السنوات، أعيش برفاهية النظر الذي لم أشكر الله عليه بشكل وافر..

مرت خمس أو ست سنوات، حتى لاحظت أنني لم أعد أستطيع قراءة الخط الذي أمامي وأنا أجلس على الكنب، وأنظر لشريط الأخبار!

ياااه.. لقد كنت أقرأه جيدا!

ما الذي حدث فجأة!

بكيت بشدة، واتصلت بأخي أبكي له، وهو الذي سارع بأخذي للطبيب..

والأخير ذكرني بتلك الجملة! أولا تذكرين ما قلت لكِ!

ثم وصف لي قطرة للجفاف.. أعادت نوعا ما شيء من قوة النظر لعيوني.

ومرت سنوات أخرى، ضعف البصر أكثر.. حتى أصبحت أخاف الخروج ليلا، لأنني لا أرى بوضوح، بل أرى وكأنني أنظر من زجاج سيارة مضببة في جو ماطر!!

بالأمس.. خرجت الساعة الرابعة عصرا، كانت الدنيا لا تزال تنعم بالضوء، ولكن عيوني فقدت الإبصار، وما أن تلاشى نور النهار، والتفعت الظلمة، حتى أظلمت معها عيوني، ولم أعد أرى جيدا وجوه الناس وتفاصيل أسماء المحلات التي تزين المدينة.

بل لو أشار لي أحدهم من قريب جدا بيده، لن أعرف من هو!!!

حزنت على نفسي..

أنا شاكرة لله هذه السنوات، التي أضاء لي فيها عيوني، بنور الحياة، ولكن لكل شيء قدر، ولكل شيء وقت، وها هو الوقت حان، للعودة للنظارة التي ألفتها لسنوات عديدة.

كم أنا حزينة! وكم أنا شاكرة!