كان قد أستيقظ منذ ساعتين لكنه لم يتحرك، شئ غريب أكتساه، لم تكن هناك رغبة لفعل الأمور التي يحبها، لا رغبة لفعل أي عمل يذكر، لم تكن هناك خطط تتصارع في رأسه، لا شئ سوي الفراغ القارص، شئ ما أنطفئ، كان ألماً من النوع الأسوء، ذلك الذي لا يمكن تحديد مصدره.. ذلك الذي يهاجم بشكل مباشر ويوقف كل شئ.

من المفترض أن يذهب للمكتبة كي يدرس لكنه حذف المهمة من الجدول، الفكرة وحدها ثقيلة لدرجة لا يستطيع تحملها، لماذا يدرس إن لم يمتلك دافعاً؟... الدافع هو ما يجعلك تتحرك، إن لم يتحرك ألا يعني هذا بأن الوضع الذي يعيشه الآن لا يحمل قيمة له؟... كان الأسوء من ذلك أنه يعرف الحل، يعرف مالذي يريده ومع ذلك لم يستطع إخبارهم، وقت الحديث تتبعثر الأحرف ويختفي المنطق، يهتز الصوت وينفعل، بعدها حاول التأقلم مع الوضع، لما؟.. لأنه جبان وكانت النتيجة هي دخول حرب ليست له وبهذا أصيب بندوب لا يستطيع تحملها، أصبح يشعر بأنه لا يمتلك السيطرة على حياته، يمكنه أن يكتب أي أهداف ليحققها ومع ذلك فإنها ستبقي في الورق.

أنهي روتين الصباح وتناول كوب حليب بارد، فكر في أمر يمكنه الإنغماس فيه حتي ينتهي هذا اليوم السئ غير أنه لم يجد الرغبة أو الحماس... كل الأمور التي تحركه تسللت بعيداً، شبه نفسها بحيوان محنط.

غرفة السكن الجامعي هادئة بشكل موحش، جدرانها بيضاء شاحبة، باردة، ظل يتأمل ماحوله، حقيبته، حاسبه المحمول، الكمان، شعر ببعض السكينة تخترق الصخب داخله عند رؤية كمانه، عندما بدأ العزف كان الأمر للتسلية فقط حتي أتي اليوم الذي لمسته فيه معزوفة، أخذه والده لمؤتمر ما وهناك رآها، تحدثت المرأة عن تجربتها في الإكتئاب وكيف أن الكمان أنقذها ومع الوقت جعلها ترغب في الوصول للناس، بعد ذلك عندما أخذت تعزف تجمد الجميع في مكانه بمن فيه والده الصارم.... كانت موسيقاها تعوي بعمق.

أمسكه وتحسس النقوش، لم يعزف منذ فترة، كان مشغولاً بالإمتحانات المتواصلة، مرر القوس عبر الأوتار فصدر صوت عشوائي لكنه تغلغل في قلبه وفي نفس الوقت كان خارجاً منه، أحس برغبة قوية في العزف، تحرك جسده بشكل مفاجئ وأنطلق اللحن، كان هادئاً في البداية، يزداد الصوت ويتمسك به أكثر، يصبح اللحن أسرع قليلاً، الآن أنطلقت الموسيقي في رأسه، هو يقف في المسرح، يمرر القوس بقوة ويصنع لحناً أقوي، ثم يبدأ بعزف مشاعره... بعزف ما كان مكتوماً، يتحرك بقوة ويتمايل مع الأصوات، يهدأ تارة ثم ينفعل مرة أخري ويصبح الصوت أقوي وأقوي، كلما تعمق في المعزوفة يتعمق في فوضاه الداخلية ويوقفها، يحطم أي حاجز، يشعر بقوة الموسيقي، يعرف مالذي تعنيه له، مرت فترة منذ أن أمسك المعني... معناه الخاص، بدا وكأنه سيحطم الكمان، كان مبتسماً وكان جسده منتشياً.

"أنت بارع!"

تفاجئ بصديقه واقفاً قرب الباب.

"مالذي تفعله هنا؟"

رد صديقه :

" هل نسيت أمر المكتبة؟... تحاول إقناعي منذ أسبوع والآن تنسي بهذه البساطة"

"يمكننا الذهاب لاحقاً، هناك مسابقة في المنتزه... سأشارك، أحتاج المزيد"

"المزيد من ماذا؟"

تحرك قرب خزانته باحثاً عن ملابس مناسبة، أختار قميصاً أسود.

"المزيد من هذا الشعور... الحياة؟.. المتعة؟... لا أعلم فقط أرغب بالمزيد"