بنجامين جراهام: نبذة مختصرة

قبل الخوض في الحديث عن بعض ما جاء في كتاب “المستثمر الذكي” من قواعد وإرشادات استثمارية ثمينة، دعونا نتوقف قليلا كي نتعرف على مؤلفه بنجامين جراهام. يعد جراهام أعظم مستشار مالي في القرن العشرين، وعميد التحليل المالي على مستوى العالم، والرائد الوحيد الذي كتب في مجال الاستثمار على مستوى العالم حتى عصرنا الحاضر.

يقول عنه الكثيرون إنه الأب الروحي لمدرسة “الاستثمار بناء على القيمة الحقيقية”. وقد كانت بدايته المهنية في بورصة وول ستريت؛ حيث عمل مراسلا في شركة هندرسون ولوب للوساطة المالية؛ فكان يقوم بتسجيل أسعار الأوراق المالية مقابل 12 دولار في الأسبوع. وبعد ذلك أصبح مسؤولا عن كتابة التقارير المالية، قبل أن يصبح شريكا في نفس الشركة. وقد استطاع جراهام أن يحقق دخلا سنويا بلغ 600,000 دولار وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره. وفي عام 1926 أسس هو وجيروم نيومان شركة استثمارية استطاعت الصمود في وجه العديد من الأزمات المالية التي عصفت بالعالم في تلك الفترة، مثل الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية والحرب الكورية. وقد تمت تصفية هذه الشركة عام 1956.

في الفترة الواقعة بين عامي 1928 و1956 عمل بنجامين جراهام محاضرا للعلوم المالية في جامعة كولومبيا، ومما هو جدير بالذكر أن الملياردير المعروف وارن بافيت كان أحد تلامذته، وتعلم على يديه مبادئ الاستثمار الذكي التي شكلت حجر الزاوية لانطلاقته في عالم المال والأعمال والثراء. وقد استطاع جراهام أن يحقق ثروة طائلة عن طريق شراء جميع الصفقات الخاسرة في البورصة، وحقق من خلالها أرباحا فاقت أرباح البورصة العالمية “وول ستريت”، وهو أمر لم يحدث من قبل ولم يتكرر في التاريخ!

يهمك : كتاب المفتاح الرئيسي للثراء

قواعد الاستثمار الذكي

والآن جاء وقت تَعلُّم قواعد وأسس الاستثمار الذكي في الأسهم وأسواق المال.

القيمة الحقيقية هي أساس الاستثمار؛ لقد أكد جراهام على الأهمية الكبرى لهذا المبدأ؛ حيث يقول إن على المستثمر أن ينظر إلى الشركة التي أصدرت السهم على أنها تمثل القيمة الحقيقية وليس إلى قيمة السهم، سواء كان سعره مرتفعا أو منخفضا. وقد شبّه البورصة بشخص أطلق عليه تسمية “مستر ماركت”، وهو يأتي كل يوم لصاحب السهم ليعرض عليه سعرا مرتفعا أو منخفضا. ويقول جراهام إن المستثمر الذكي لا ينجر بسهولة وراء “مستر ماركت” فيبيع السهم، ما دام مقتنعا بقيمة الشركة التي أصدرت السهم.

القيمة مقابل السعر؛ يرى جراهام أنه عند التعامل في الأسواق المالية فإن أهم عاملين يجب التركيز عليهما هما السعر والقيمة، والمستثمر الذكي هو من يعرف معنى كلا من هذين المصطلحين ويستطيع التمييز بينهما؛ فالسعر هو ما يدفعه المستثمر للحصول على السهم، أما القيمة فهي ما يتسلمه في حال بيع السهم. ويعتقد جراهام أن الغالبية العظمى من المستثمرين لا يدركون الفرق بين سعر السهم وقيمته. ويقول إن السعر والقيمة مرتبطان ببعضهما؛ فقد تتباعد القيمة عن السعر، وأحيانا بأسعار مرتفعة أو منخفضة؛ ولذا فهو يرى أن المستثمر الذكي لا يتأثر بطبيعة السوق، سواء كان في وضع صعود أو هبوط، بل يركز على القيمة الحقيقية للسهم.

المضاربة مقابل الاستثمار؛ يعتقد جراهام بأهمية النجاح في الأجل الطويل؛ ويقول إن بيع وشراء الأسهم يعبران عن علم الاختيار، إلا أن الكثير من المستثمرين يرون أن الأسهم وجدت من أجل المضاربة (الربح السريع)، ولا يرسمون خطة للنجاح على المدى البعيد. ومن وجهة نظر جراهام، المستثمر الذكي هو من يضع لنفسه خطة عمل ويلتزم بها قدر الاستطاعة كي يزيد من فرصه في النجاح.

التعامل مع السهم بأنه حصة في شركة قائمة ، بمعنى أن المستثمر الذكي يتعامل مع السهم وكأنه مشروع قائم بذاته وليس مجرد ورقة فقط للتداول. ويؤكد جراهام على أن قيمة السهم تتأثر بقيمة الشركة؛ فكلما زادت كلما أدى ذلك إلى زيادة قيمة السهم، والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق استنتج جراهام مبدأين اساسيين في عالم الاستثمار، وهما:

المبدأ الأول – يتضمن الهامش والأمان

حيث يقوم على أنه يمكن للمستثمر وسط ظروف معينة شراء السهم بسعر أقل من قيمته الحقيقية، وكلما كان السهم أقل من قيمته الحقيقية، كلما قل عامل المُخاطرة، وكلما زادت نسبة الأرباح. فـ أنك لست على هذا القدر من الدقة في مقدرتك على حساب قيمة أحد الأسهم، ولكن ما يمكنك فعله هو تقدير قيمته، ونقول مرارًا وتكرارًا إن المستثمرين ينبغي أن يحصلوا على الملكيات في المجالات التي يكون فيها تناقض واسع، وإذا استطعت شراءها بمقدار ثلثي قيمتها فأفعل.

ومهما كنت حريصًا فإن المخاطرة التي لا يستطيع أي مستثمر أن يتحاشاها، هي ألا يكون على صواب. وفقط ما يطلق عليه جراهام هامش الوقاية، أي عدم الأفراط في دفع الأموال مهما بدى الاستثمار مثيرًا، فـ يمكنك الحد من فرص وقوعك في الخطأ.

المبدأ الثاني – يتضمن توجه المستثمر تجاه تقلبات السهم والسوق

فيقول جراهام، أن المستثمر بعد أن ينتهي من دراسته، ويقرر الاستثمار في سهم ما، لا يجب أن يلتفت لمتغيرات خارج دراسته، وأهم تلك المتغيرات هي تذبذب سعر السهم لأسباب خارج دراسته، فيقوم بإبهام العلاقة بين القيمة والسعر، مثلًا شراء سهم على أساس شهرته الحالية، أو الاتجاه الصاعد/الهابط، والأمل أن سعره سوف يرتفع بسبب الظروف المتغيرة يعتبر مضاربة.

والأغلبية العظمى من العمليات في أسواق المال هي مضاربات وليست استثمار، فهذه التقلبات تخدم المستثمرين، ينبغي أن يولوا آذانًا صماء للدوامات اليومية لسوق الأسهم، فالشركات ذات الجودة الجيدة يمكنها أن تصمد في وجه هذه الدوامات.

فـ السوق مثل عقارب الساعة، الذي يتأرجح ويتقلب دومًا بين التفاؤل الذي لا أساس له، والذي يجعل الأسهم باهظة السعر، والتشاؤم الذي لا مبرر له، والذي يجعل الأسهم رخيصة وتباع بسعر بخس. ولكن المستثمر الذكي شخص واقعي، يبيع للمتفائلين ويشتري من المتشائمين.

ايضا : كيفية اعداد خطة استثمارية ناجحة

إن الاستثمار الناجح الذي يستمر مدى الحياة لا يتطلب ذكاءً خارقًا، أو قدرات استثمارية غير عادية، أو معلومات داخلية عن الشركة، وإنما يتطلب إطاراً فكريًا سلميًا لاتخاذ القرارات الصائبة، والحيلولة دون أن تفسدها العواطف، فـ تحقيقك لنتائج استثنائية سوف يعتمد على الجهد والفكر الذين سوف تستعين بهما في استثماراتك، و على مقدار الاتجاه السائد في السوق خلال فترة انخراطك في نشاطك الاستثماري، وعليه أن عملية الاستثمار هي الدراسة المبنية على خمس قواعد أساسية:-

تبني التحليل السليم قبل الدخول في عملية الاستثمار، تحليل الاستثمار، ومعرفة الاستثمار جيدًا، وإبقاء المشاعر خارج الاستثمار.

تخفيض مُعامل الخطورة قدر المُستطاع، والمُحافظة على رأس المال، فيجب أن تكون عملية الاستثمار ذات مخاطر مقبولة.

وأن تكون عملية الاستثمار ذات عائد مالي مُرضي.

أن يكون سعر الشراء أقل من القيمة الحقيقية الحالية أو المستقبلية الناتجة عن الدراسات التحليلية.

لا تتأثر كمستثمر بالعوامل الطبيعية المتغيرة للأسواق، بل يتم التركيز على قيمة السهم أساسًا.

وأي عملية استثمار/شراء لا تجمع الخمس قواعد السابقة أو تفقد جزء منها تُعد مُضاربة أو مغامرة، وعلى ذلك فإن الاستثمار في أسواق الأوراق المالية، والذي يعدنا بـ عائد مرضي ومخاطر أقل، يجب أن يبنى على حسابات القيمة الحقيقية للسهم…

يهمك : صناعة الثروة من الصفر : المليونير في البيت المجاور

كانت هذه جولة سريعة في كتاب المستثمر الذكي لبنجامين جراهام، حاولنا من خلالها الوقوف على أهم القواعد والأسس التي ينبني عليها الاستثمار الذكي. ومما يجدر ذكره أن الكتاب قد تمت إضافة بعض الحواشي له عام 2003 وترجم إلى اللغة العربية عام 2008 ضمن إصدارات مكتبة جرير في المملكة العربية السعودية، وهو كتاب جدير بالقراءة والدراسة لكل من يبحث عن النجاح في عالم المال والأعمال والاستثمار.