بعد الضجة التي قامت على مواقع التواصل الاجتماعي في الايام الاخيرة فيما يخص موضوع برنامج الدحيح و اتهامه بانه يروج الى الالحاد في حلقاته التي تستعرض مواضيع علمية متفرقة . و كوني متابع لهذا البرنامج منذ فترة طويلة اردت ان الخص بعض الامور :
يعرف المحتوى الذي يقدمه احمد الغندور المعروف بالدحيح ب(pop science) او العلوم الشعبية .. وهي طريقة تقديم الافكار العلمية بشكل مبسط يسهل على العامة فهمه ,غرضها التسلية والافادة في نفس الوقت , هذا النوع من البرامج لا يقدم ثقل علمي, قد يتضمن مستويات بدائية من الافكار المطروحة بطريقة كوميدية مسلية ومفيدة بنفس الوقت . كما انها لا تعتبر مصدر ثقافي لمن اراد التعمق في العلوم والبحث العلمي . ولكنها تبقى ذو فائدة كبيرة وحلقة وصل مهمة بين العلوم وعامة الناس وتحفيزهم على الاطلاع عليها .
في ما يخص انتقاد د.اياد القنيبي على قناته والذي حاول من خلالها ان يتهم الدحيح بانه مروج للالحاد في حلقاته وانه يدس السم في العسل ويدعو شباب الامة الى اتباع الافكار العلمية الخرافية! – كما يقول - الى هنا والامر يبدو منطقي فهو رد فعل متوقع من أي شخص يتبنى فكرة دينية او يحاول الترويج لها سيكون معارض لاي شكل من اشكال العلوم التي قد لا تلقى ترحيبا او توافق مع النص الديني , وكمتابع لهذا البرنامج منذ اكثر من سنتين لم اشاهد الدحيح في أي حلقة يصرح بالترويج الى فكرة ايمانية او الحادية , بل كانت اغلبها منحصرة في اطار علمي بحت ومستقل عن أي افكار ترويجية .
المسألة الاخرى هي لماذا نحاسب الناس ونفرض الوصاية على عقولهم في ما يتبعون من افكار ؟ لو فرضنا ان الدحيح كان فعلا يروج لافكار الحادية فلماذا نعتبرها تهمة اصلا ؟ اليس الانسان حر في ما يتبع وما يؤمن ؟ من الذي اعطى الحق للدكتور ان يحكم على عقول الناس بان يتبعوا ما يرغب هو ؟ لا لما يرغبون هم ؟ ثم ان الدكتور اياد القنيبي لديه قناة كاملة يتكلم فيها لساعات ويروج فيها لافكاره ويدعو الناس اتباعه بدون أي قيود وبدون ان يمنعه احد من نشرها او ان يهاجمه احد , فلماذا يحق له نشر افكاره ولا يحق لغيره؟
لو شاهدنا الحلقة التي قدمها الدكتور القنيبي والتي بعنوان " الرد على الدحيح " سنجدها مليئة بالمغالطات المنطقية والحجج السطحية والتي ناقش فيها الدكتور النظريات الكبرى المطروحة في الوسط العلمي وحاول الانتقاص منها بطريقة لا اعتقد انها ترقى لمستوى النقد العلمي فهي تاره تصور العلماء الغرب خرافيين ومتامرين وتاره اخرى يستشهد بنفس العلماء والنظريات لدحض فكرة اخرى !! فهم كذابين فيما يعارض وصادقين فيما يوافق ! وكنت اتمنى ان تكون الحجج جديرة بان نبحث فيها وناخذها على محمل البحث لعلنا نساهم في تقديم البحوث العلمية والنظريات القائمة اصلا على النقد والتطويروالتجديد. ولكنها لم تكن كذلك للاسف . بل هي فقط لاجتذاب العامة واعلان انتصارات زائفة والترويج بانها ردود علمية حقيقية .
التاكيد والبحث عن المصادر من قبل الدكتور بدأ مثيرا للسخرية حقيقةً. وذلك لسببين الاول ان البحث عن المصادر العلمية لم يكن بغرض البحث عن الاصول والتاكد منها وانما لايجاد ثغرات يحاول من خلالها الهجوم والانتقاص من الافكار ومن اصحابها واللي خلفوهم ! السبب الثاني عندما تطلب المصادر دائما فيجب ان لا تنزعج عندما يطلب منك المصادر في ما تقدمه من نصوص او افكار ولا يثير حفيظتك ان اراجع اصول ما تقوله او انتقده ! فاذا كنت دقيق في المصادر فيجب ان تنظر في مصادر ما تطرحه على الاقل !
في ظل مجتمعنا العربي المتأخر فأن محاربة أي فرصة لنشر العلم والثقافة بين الناس هي عمل مغفل يجب عدم السكوت عليه . فظهور الشباب مثل الدحيح وغيره ممن يقدمون المحتوى العلمي والذين ظهروا في الفترة الاخيرة هو بذرة امل في وسط مستنقع من الجهل يغرق واقعنا العربي . لا اعتقد ان محاربتهم بأدعاءات واهية باسم الدين هي الخيار الصائب , بل من الاجدر دعمهم وتشجيع البقية على تطوير هذه الطاقات الجبارة وتحويلها الى عمل فعال ينتزع المجتمع من الوحل الذي هو فيه .
في النهاية كل انسان حر فيما يفكر وما يتبع . كل منا لديه اسئلة ,قناعات , خبرات تشكلت عبر مسيرته وفي الطريق الذي اتخذه في حياته . يبقى المسار العلمي في تغير وتقدم ومستمر يستمد قوته وتطوره من النقد والتجديد ليغير ويطور من حياتنا . ويبقى الدين قائم بذاته حتى فناء البشرية يظهر ويتجدد كل عصر وكل زمان ليلائم ويتوافق مع متطلبات حياتنا,رغباتنا ومخاوفنا .
التعليقات