بداية، الموضوع قد حُضِّر من كتاب «فن التفكير الواضح» وهو كتاب يشرح اثنتان وخمسين خطئاً من أخطاء التفكير وقد اخترت منهم أربعة أخطاء برأيي هم الأكثر شيوعاً وأهمية لك كإنسان عادي ألا وهم:

• انحياز السفينة الناجية

• وهم جسد السباح

• العقل الجمعي

• الارتداد إلى المتوسط

قبل أن نشرح الأخطاء علينا أولاً أن نعرف مفهوم "أخطاء التفكير" وهي: -وفق تعريف الكاتب- انحرافاتٌ ممنهجة عن العقلانية، التي هي الوجه المثالي والمنطقي والعاقل في التفكير.

حسناً دعونا نبدأ:

١- انحياز السفينة الناجية

معناه:

انحياز السفينة الناجية يعني أنك تُبالِغ بشكلٍ منهجيٍّ في تقدير فرص النجاح ؛ نظرًا لأن النجاحات تجتذب اهتمامًا في الحياة اليومية أكبرَ كثيرًا من الإخفاقات . كشخصٍ يقف خارج المجال فإنك تقع فريسةً لوهْمٍ ، وتتجاهل أن احتمالية النجاح قليلةٌ لدرجةٍ تكاد تكون منعدمة ؛ فوراء كل كاتبٍ ناجحٍ سنجد مائةَ كاتبٍ لا تُحقِّق كُتُبُهم إيراداتٍ ، ووراء كل واحدٍ من هؤلاء المائة سنجد مائةً آخرين لم يتوصَّلوا إلى دار نشرٍ بعدُ ، ووراء كل واحدٍ من هؤلاء المائة الآخرين سنجد مائةً آخرين شرعوا في كتابة نسخة مخطوطة ثم احتفظوا بها في الدُّرج . لكننا لا نسمع إلا عن الناجحين ، ونتجاهل أن النجاح في مجال الكتابة يظل احتمالًا ضعيفًا.

كيف نتفاداه:

من أجل توجيه الذات نحو الاتجاه المعاكس ينصحك الكاتب أن تقوم بقدر ما تستطيع بزيارة مقابر المشروعات، أو الاستثمارات، أو المِهَن التي كانت واعدةً يومًا ما. إنها نُزهة حزينة، لكنها مفيدة للصحة. يقصد الكاتب هنا بقوله: "مقابر المشروعات" مجازياً المكان الذي توجد به المشروعات والشركات التي فشلت وكل شئ فشل ستجده في هذه المقابر؛ التي لا يسلط الإعلام عليها الضوء ويتجاهلها كأنها غير موجودة. فمن ذا الذي يريد سماع قصص عن الفشل؟

٢- وهم جسد السباح

معناه:

قرر أحمد أن يفقد وزنه ويمارس رياضةً تجعل جسده قوياً. وبعد بحث طويل قرر أن أفضل رياضة هي السباحة بعد رؤيته أجسادَ السباحين المتناسقة والرائعة. التزم أحمد بالتمرن على السباحة أسبوعياً، وقد استغرق الأمر بعضَ الوقت قبل أن يلاحظ أنه كان أسيرًا للوهم؛ فالسبَّاحون المحترفون لا يمتلكون هذا الجسدَ المثاليَّ لأنهم يُكثِرون من التمرين ، بل إن الأمر معكوس : إنهم سبَّاحون مَهَرة لأنهم يمتلكون جسدًا له تلك البنية الجيدة . إن بنية جسدهم ما هي إلا معيار اختيارهم ، وليسَتْ نتيجةَ نشاطهم.

وإذا خلطنا ما بين معيار الاختيار والنتيجة ، وقعنا ضحيةً لوهم جسد السباح.

كيف نتفاداه:

الخلاصة: في أي أمرٍ تطمح إليه؛ عضلات فولاذية ، جمال ، دخْل أعلى ، حياة أطول، سعادةٍ … إلخ ، حيثما وجدتَه ينال الثناءَ فانظرْ مليًّا، وقبل أن تقفز إلى المسبح ، أَلْقِ نظرةً على المرآة ، وكُنْ أمينًا مع نفسك.

٣- العقل الجمعي

معناه:

نفترض أنك في طريقك إلى حفلة موسيقية ، وفي تقاطع طرقٍ قابلتَ مجموعة من الناس يحملقون جميعًا في السماء. من دون تفكيرٍ ستنظر أنت أيضًا إلى الأعلى . لماذا ؟ العقل الجمعي.

كيف نتفاداه:

كُنْ متشكِّكًا كلما وجدتَ شركةً تَدَّعي أن منتجها هو "الأكثر بيعًا"؛ فهي حجة عبثية ؛ إذ ما الذي يجعل منتجًا ما الأفضلَ ، فقط لأنه أكثر بيعًا؟ ويُعبِّر الكاتب سومرست موم عن الأمر على النحو التالي: ”لا يتحوَّل الزعمُ الأحمق إلى حقيقةٍ لأن ٥٠ مليون إنسانٍ يرَوْنه كذلك“.

٤-الارتداد إلى المتوسط

معناه:

كانت آلامُ ظهره متفاوتةً ما بين خفيفةٍ وشديدة، وجاءَتْ عليه أيام كان يشعر فيها شعورَ ظبيٍ يافع، وأخرى كان لا يكاد يستطيع أن يتحرك، وحين تكون الحال كهذه؛ كانت تصحبه زوجته إلى المعالج الطبيعي. في اليوم التالي كانت الآلام تتحسَّن بشكلٍ ملحوظ ؛ ولهذا فقد نصح كلَّ مَن سأله بالذهاب إلى هذا المعالج. لقد وقع ذلك الرجل في خطأ الارتداد إلى المتوسط. إن تجاهُل مسألة الارتداد إلى المتوسط من الممكن أن تكون له آثار وخيمة؛ حيث يصل المعلمون إلى نتيجةِ أن العقاب أجدى من المدح؛ فحينما يُمدَح التلميذ صاحب أعلى النتائج، ويُعاقَب ذلك الذي حقَّقَ أسوأ النتائج. في الامتحان التالي على الأرجح، سيحتلُّ تلاميذ آخَرون أفضلَ المراكز وآخَرون أسوأها. يستنتج المعلم من ذلك أن العقاب يُجدِي بينما المديح يُفسِد. ويا لها من نتيجة مخادعة!

كيف نتفاداه:

حين تسمع جُمَلًا مثل: ”لقد كنتُ مريضًا وذهبتُ إلى الطبيب، والآن أنا معافى، إذا لقد ساعدني الطبيب“، أو مثل: ”كان العام سيئًا على الشركة ؛ ولهذا استعنَّا بشركة استشارات فعادَتِ النتائج إلى طبيعتها ثانية“؛ عليك أن تدرك أنك ضحية مغالطةِ الارتداد إلى المتوسط.

حسناً تهانينا لقد وصلت إلى نهاية الموضوع وأتمنى أن لا يكون طويلاً ومملاً. إن كنت تتسائل لماذا أربعة أخطاء وليس خمسة أو ثلاثة مثلاً فذلك لأني أعتقد أن ثلاثة أخطاء فقط سيكون عددا قليلا وخمسة كثيرا ومُطيلا للموضوع. لكن يمكنني أن أشارك المزيد من أخطاء التفكير في جزء ثان من هذا الموضوع إن أردتَ.