عادة نرى الافكار هي من تغير الواقع(الاجتماعي و السياسي و التكنلوجي), و لكن تلك نظرة بسيطة و الامر اكثر تعقيدا, الواقع هو من يتيح لافكار(او اشخاص) معينة بالنمو و يهمل افكار اخرى
لنأخذ على سبيل المثال
- المسيحية التي هي عبارة عن طائفة يهودية منشقة, تلك الطائفة اليهودية غيرت العالم القديم لما يعرف بالعصور الوسطى, ماذا لو نشأت تلك الديانة او الطائفة في القرن الثامن قبل الميلاد(قبل السبي اليهودي), على الارجح كانت ستقمع من قبل السلطة الدينية و السياسية في مملكة اسرائيل او يهودا, او كانت لتكون ديانة محلية, بينما بنشأتها بالقرن الاول الميلادي في ظل وجود الامبراطورية الرومانية و وجود لغة عالمية ممثلة بالاغريقية و اللاتينية مكنتها من الانتشار الى الاقاليم المجاورة, و ثم تم تبنيها من الامبراطور قسطنطين(لتعضيد حكمه) فانتشرت بقوة(بشكل اكبر) في كافة ارجاء الامبراطورية
*كروية الارض, رغم كون تلك المعلومة معروفة من زمن ارسطو و تم استباطها بشكل علمي(من خلال الخسوف) و تم قياس محيط الارض(إراتوستينس) بشكل علمي و عملي و بهامش خطأ 0.1%, و لكن رغم ذلك ضلت فكرة ان الارض مستوية او مسطحة هي الفكرة المسيطرة في اذهان العامة, حتى جاء استكشاف العالم الجديدة و بعد قرن او اكثر من الابحار حول الكرة الارضية اصبحت كروية الارض هي السائدة في اذهان العامة
*دوران الارض حول الشمس, الشائع ان كوبرنيكوس غير نظرتنا للعالم من كوننا محور الكون الى مجرد كوننا في كوكب كبقية الكواكب, و لكن فكرة دوران الارض ليست جديدة فقد ذكرها قبله "أريستارخوس ساموس" بحوالي 1800 سنة, بل هناك اراء بان الفكرة اقدم بكثير فهي موجودة في الحضارة الهندية و كانت موجودة في حضارة بلاد الرافدين(يوجد لوحة توضح شمس كبيرة و من حولها الكواكب من ضمنها الارض), و لكن ما يميز كوبرنيكوس انه ولد في عصر النهضة و بعد وفاته بفترة قصيرة نسبيا اخترع التلسكوب
*الديمقراطية و التمثيل البرلماني, ايضا افكار ليست بجديدة ابتدعتها الحضارة الغربية, فقد كانت موجودة لدى اليونانيين ثم الرومان, و كانت موجودة بصورة ابسط لدى شعوب اخرى منذ الاف السنين
*العلمانية كانت موجودة بصور اخرى قبل الثورة الفرنسية بالاف السنين ايضا في عدة حضارات, فمثلا سرجون الاكدي قلص دور الكهنة فقد الغى المحاكم الدينية و استبدلها بمحاكم مدنية بقضاة معينين من قبله
و لكن ما يميز علمانية فرنسا انها اتت في ظل سخط او تمرد شعبي على رجال الدين و بروز الافكار اللادينية
*اتاتورك بتبنيه القومية التركية و علمانية الدولة غير مسار الاتراك, و لكن لو وجد في القرن السادس /السابع عشر لنبذه الاتراك ببداهة و لكنه وجد بعد افول الدولة و احتلال الدولة العثمانية من قبل الحلفاء و نفور و استقلال الاقوام الغير التركية عنها, فتمكن من فرض نهجه على الاتراك
فالافكار الثورية على اهميتها في التغيير و لكن تأثيرها محدود اذا لم يوجد مناخ سياسي اجتماعي او تكنلوجي مناسب لها
التعليقات