طبيعة عمل المغناطيس أنه يجذب الصلب حوله و تزداد قوة جذبه بزيادة حجمه , فلم نسمع قط أن مغناطيس محيط جاذبيته 100م لم يتمكن من جذب قطعة من الحديد تبعد عنه 10م فقط !
في مكة المكرمة تجذب الكعبة الملايين سنوياً من جميع أنحاء الأرض فقوتها لا حدود لها لكن للأسف لا تستطيع جذب أهلها و أقرب الناس إليها , تقول المقولة أن فاقد الشيء يعطيه لكن إذا عكسناهافنجد أن أهل مكة يخدمون الحجاج على مر السنين لكن أغلبهم لم يدر في خلده قط أن الحج ركن من أركان الاسلام لا يكتمل اسلامه الا به , ترى كهلاً عجوزاً قد أمضى فوق الـ 70 سنة في خدمة بيت الله الحرام ولم ينوش قط أن يؤدي هذا الركن الفضيل.
أتحدث عن ذلك لوجود الجفاء بين الناس , و قسوة القلب , كما قال الله تعالى { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} فنجد من لم تحدثه نفسه قط ان يذهب الى الميقات لينوي حجاً بينما يهرول الملايين من الحجاج مئات الكيلومترات لكي يحظوا بهذا الشرف , أستند لما أقول بالإضافة الى العديد من الاحصائيات لبعض المواقف التي مرت علي طيلة تواجدي بالمملكة :
- ذهبت مرة إلى الحج مع اسرتي فما ان زرنا الميقات لننوي الحج فوجد والدي كل الركاب قد بدلوا ملابسهم إلى الاحرام بحتى السائق باستثناء مشرف الحملة , فنصحه والدي بفضل الحج و بين له انه ركن للمستطيع لا يكتمل الاسلام بدونه و لماذا بما انه سيزور جميع المشاعر بطبيعة عمله لماذا لا يؤدي الحج و يضرب عصفورين بحجر .. قال لوالدي السنة القادمة بإذن الله , و قد عرف والدي أن له في هذا العمل قرابة ال20 سنة و لم يدر في خلده قط أن ينوي الحج مع باقي الركاب , فلما رأى الحاح والدي أخبره أنه لا يوجد لديه ملابس للاحرام فاشترى له والدي و نوى حجاً و ذهبنا سعداء
فوجئنا يوم عرفة قبيل المغرب بقليل بلبسه الكاجوال !! فلما استنكر والدي عليه قال له انه لم ينوي قط بقلبه قط فأخبره والدي بان الحج عرفه و مجرد وقوفه على عرفه يعتبره حاجاً اذا نوى من جديد و سيضحي والدي عنه و يذبح له هديه
فرفض أشد الرفض ويكأن شيطاناً كان يحدثنا
- كنا في رمضان مستقلين Taxi من الفندق إلى المسجد الحرام و كان السائق يقرب من الـ 80 عاماً , و بطبيعة والدي الاجتماعية يحب التحدث الى أهل مكة فهو يعتبرهم ذو مكانة عظيمة , بتتابع الحديث يقسم السائق أنه لا يعرف شكل الكعبة ولم يدخل المسجد الحرام قط !!
لماذا هذا الجفاء ! و أي ثقافةٍ تلك التي تمنع أهل المنزل من عدم دخوله ! يقول أعز من قائـل سبحانه:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }البقرة125 قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية : ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله { وطهر بيتي } لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حباً له وشوقاً إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له
زيارة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا، فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسليهم، كما قيل :
هتف المنادي فانطلق يا حادي *** و ارفق بنا إن القلوب صــوادي
تتجاذب الأشواق وجد نفوسنا *** ما بين خاف في الضلوع و باد
و تسافر الأحلام في أرواحنا *** سفراً يجوب مفاوز الآماد
و نطوف آفاق البلاد فأين في *** تطوافنا تبقى حروف بلاد
هتف المنادي فاستجب لندائه *** و امنحه وجدان المحب .. و ناد
لبيك .. فاح الكون من نفحاتها *** و تعطَّرت منها ربوع الوادي
لبيك .. فاض الوجد في قسماتها *** و تناثرت فيها طيوف وداد
لبيك .. فاتحة الرحيل و صحبه *** هلا سمعت هناك شدوا الشادي
هذا الرحيل إلى ربوع لم تزل *** تهدي إلى الدنيا براعة هاد
هذا المسير إلى مشاعر لم تزل *** تذكي المشاعر روعة الإنشاد
و ختاماً اللهم اهدنا و اهد بنا و اجعلنا سبباً لمن اهتدى , أسأل الله أن يجمعني بكم في عرفة يوم عرفة السنة القادمة و كل عامٍ و أنتم بخير :))
التعليقات