هاني حجر

ما يحدث في غزة الآن تجاوز حدود الصراع التقليدي، ليتحوّل إلى معركة فاصلة تعيد رسم المشهد السياسي والأمني في المنطقة. فبين دمار شامل، وصمود بطولي، ومواقف دولية متباينة، تتضح ملامح مستقبل جديد قد لا يكون كما أراده البعض.

أولًا: حقيقة المشهد في غزة العدوان الإسرائيلي الحالي هو الأعنف منذ نكبة 1948، من حيث القوة التدميرية والاستهداف الممنهج للمدنيين والبنية التحتية. وفي مقابل هذا العنف، تسجّل المقاومة الفلسطينية صمودًا استثنائيًا، أربك حسابات الاحتلال وأفشل معظم أهدافه، سواء في القضاء على المقاومة أو في إخضاع غزة سياسيًا.

ثانيًا: توازنات إقليمية جديدة الدول العربية منقسمة في مواقفها، فبعضها يكتفي بالشجب، والبعض الآخر يتورّط في تطبيع مفرط يُضعف الموقف الفلسطيني. بالمقابل، تبرز دولة مثل اليمن بمواقف واضحة في دعم القضية، مما يعيد فرز المعسكرات في المنطقة.

مصر، بحكم الجغرافيا والدور التاريخي، تجد نفسها في قلب المعادلة، تحت ضغط دولي هائل لقبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما ترفضه رسميًا وشعبيًا. لكنها تعيش لحظة دقيقة، تتطلب توازنًا بين حماية أمنها القومي، والوفاء لمبادئها التاريخية تجاه فلسطين.

ثالثًا: التأثير على دول الجوار

مصر: ضغوط دبلوماسية مكثفة، ومخاطر أمنية محتملة في سيناء، إلى جانب احتقان شعبي متصاعد.

الأردن: الخوف من سيناريو الوطن البديل يهدد استقراره الداخلي.

لبنان: انخراط حزب الله يفتح احتمالات التصعيد الشامل، ويضع الداخل اللبناني أمام تحديات خطيرة.

إيران: تعزز موقعها كداعم للمقاومة، وتستثمر في إطالة أمد المعركة لإعادة تشكيل معادلة الردع.

رابعًا: السيناريوهات المتوقعة

1. استمرار الحرب على وتيرة متفاوتة، دون حسم قريب.

2. تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة بشكل غير مسبوق.

3. تصاعد الوعي الشعبي عربيًا وإسلاميًا بضرورة إحياء القضية.

4. احتمال فرض تسوية سياسية دولية، قد تحمل ضغوطًا كارثية على الفلسطينيين إن لم تُواجَه بوعي إقليمي موحّد.

ختاما :غزة اليوم تمثل خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة، وصمودها ليس فقط شرفًا لفلسطين، بل اختبارًا حقيقيًا لإرادة الشعوب ووعيها. أما دول الجوار، فالمعركة تطرق أبوابها، وقراراتها اليوم سترسم ملامح مستقبلها غدًا.

فالقضية لم تعد شأنًا فلسطينيًا فحسب، بل شأنًا عربيًا وجوديًا، وأي تفريط الآن، هو خطر مؤجل على الجميع.