تلك العبارة في كتاب الإحكام لابن حزم أوقفتني عندها، وهي للطبيب اليوناني جالينوس . بالتأكيد أكثر علماء العرب يرون أن اللغة العربية أفضل اللغات، لكن ابن حزم يرى رأيا ثالثا وهو أن اللغات كلها سواء. فهل هو التعصب، أم حقا تمتلك العربية أو اليونانية ما يميزهما؟
لست أكتب اليوم لأملي عليك رأيًا، أو لأصادر على فكرك، ولكن أكتب لأثير في عقلك فكرة ولتُثير في عقلي مثلها!
إن كنت تعتقد هذا فدعني أخبرك أن كثيرا ممن يتكلمون لغات أخرى يعتقدون أن لغتهم أفضل اللغات!
لكي نجيب عن هذا السؤال لا بد من أمرين رئيسين:
الأول- الإحاطة باللغات الأخرى.
الثاني- الوقوف على حقيقة اللغات ووظائفها.
برأيي الأول هو ضروري جدا؛ ذلك أن أصول المقارنة بين شيئين تقتضي العلم والإحاطة بهما، العلم بكل ميزة والعلم بكل عيب في كليهما، وهذ أول ما ينقض المقارنة قبل أن تبدأ؛ ذلك أننا جميعا لا نعرف من اللغات إلا القليل، ثم علمنا بلغتنا أوسع من العلم بغيرها؛ فكيف تكون مقارنة أصلا؟!
أما الأمر الثاني وهو الوقوف على حقيقة اللغات ووظائفها، فنتذكر سويا حَدَّ اللغة، يعرفها علماء اللغة أنها: "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".
أما علماء النفس يعرفها بأنها: "مجموعة إشارات تصلح للتعبير عن حالات الشعور، أي عن حالات الإنسان الفكرية والعاطفية والإرادية، أو أنها الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرة ذهنية إلى أجزائها أو خصائصها، والتي بها يمكن تركيب هذه الصورة مرة أخرى بأذهاننا وأذهان غيرنا، وذلك بتأليف كلمات ووضعها في ترتيب خاص".
وبعد استعراض هذين التعريفين الشاملين، ندرك تمام الإدراك أن اللغة أداة لتحقيق هدف وهو التعبير. يا تُرى أليست كل لغة في العالم يستطيع أهلها أن يعبروا بها عن أغراضهم ومقاصدهم؟! إذا ربما تظن بذلك أنني أميل إلى رأي ابن حزم في أن اللغات كلها سواء! في الواقع العكس تمامًا.
لم ينته الأمر بعد! إن علماء العربية يرون فضيلة العربية ليس لمجرد الحب، لكن لأبعاد دينية يرونها، فقد نزل القرآن بها، وقيل: إنها لغة أهل الجنة!
لكن ابن حزم يقف ليفند هذه الحجج والادعاءات فيقول:
أما كونها لغة القرآن فلأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عربي، وكل رسول يبعث بلغة قومه ليحسن البيان لهم، وقد قال الله عز وجل: [وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم].
وأما كونها لغة أهل الجنة، فأين الدليل على ذلك؟
قال بعضهم: قال الله عن أهل الجنة:[وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين]
فقال ابن حزم: إن الله يحكي المعاني وليس ذوات الألفاظ. يبدو أن السجال سيبقى قائما!
برأيك هل تعتقد أن العربية حقا خير اللغات، أم هي كلها سواء، أم أن خير لغة هي ما تحتاج إليها على المستوى الشخصي؟
التعليقات