قرر المواطن الأميركي أوتو وارمبير البالغ من العمر 21 عاما الذهاب في رحلة لاستكشاف إحدى الثقافات حول العالم، وعندما شارفت تلك الرحلة على الانتهاء وقبل خروجه من الفندق رأى لافتةً غريبة أثارت فضوله، نظر حوله ثم أخذها خلسة دون أن يراه أحد، ولكنه لم ينتبه الى تلك الكاميرا المختبئة تراقبه من بعيد.

أدخل اللافتة بخفة في شنطته التي حزمها استعدادا للمغادرة، وعندما كان على وشك الخروج انقضت عليه السلطات فجأة وقامت باعتقاله فوراً ثم فتشوا حقيبته وعندما وجدوا اللافتة قاموا بجره الى السجن بتهمة “القيام بأعمال تخريبية” مع تأدية أعمال شاقة مدة 15عاماً!

قامت الولايات المتحدة باستعمال شتى أساليب التفاوض محاولة إخراج مواطنها، استعانت بأفضل محاميها وأشمخ ساستها، وبعد 17 شهراً ومحاكمات كثيرة ظهر فيها المنكوب وارمبير باكياً نادماً مرددا:"أرجوكم انقذوا حياتي".. بعد كل ذلك قررت السلطات أخيرا الإفراج عنه وإعادته لوطنه التي اصبحت صورته حلماً في مخيلته، وأخيراً سيرى بلده وأهله وأحبابه الذين طال انتظارهم.. بالفعل، تمّ إرساله على طائرة خاصة في رحلة مباشرة الى أرض وطنه، هبطت طائرة وارمبير بسلام في أرض الحرية وسط ترقب كبرى وسائل الإعلام التي ملأت القضية شاشاتهم شاغلةً الشعب الأمريكي بأكمله، ولكن المفاجأة كانت عندما أنزل من الطائرة على سرير مستشفى وهو غائب تماما عن الوعي، ليتبين فيما بعد أنه في غيبوبة ليفارق الحياة بعدها!

هذه قصةٌ حقيقية وليست اقتباسا من احدى الروايات البوليسية، دارت أحداثها في عام 2016 في كوريا الشمالية، الدولة الوحيدة في العالم التي لا يسمح لمواطنيها بالخروج منها ولا بمعرفة أي من أخبار العالم الخارجي، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق النظام الاشتراكي. لايوجد فيها قنوات تلفزيونية خارجية والأنترنت مقطوع عن عموم الشعب ولا يصل إليه إلا القليل في إطار ضيق جداً وبعد إصدار تصاريح معينة وعمليات تدقيق مطولة، وحتى بعد الحصول عليه فإن جميع الأجهزة تعمل بنظام تشغيل موحد يحجب جميع المواقع الأجنبية، وفوق كل ذلك يتم تفتيش الأجهزة دوريا من قبل السلطات لضمان عدم وجود أي محظورات (كأفلام أمريكية لاسمح الله!).

تقوم حكومة كوريا الشمالية أو كما تسمي نفسها “جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية” بعمل ممنهج يرتكز على بث أفكار و بروباغاندا تهدف إلى اعماء الشعب المسلوبة حقوقه وتخديره وضمان ولائه للسلطة الحاكمة. فمثلا، ينشأ الاطفال منذ ولادتهم على أغان وطنية تمجد رئيس البلاد “القائد الأعظم”، وأخرى تشتم وتلعن العدو اللّدود أمريكا وتلقي عليها ملامة عثراتهم، كما تنشر لافتات في أنحاء البلاد تحمل أفكار مشابهة، لهذه اللافتات شأن كبير حيث تعد الاساءة لها أو حتى لمسها (كما فعل وارمبير) جريمة قد تعرض فاعلها للموت..

من أغرب ماتحمله سلة المفاجآت الكورية (وهي سلة مليئة) هي عاصمتها بيونغيانغ، عندما يزورها السياح يفاجأون بمدينة عصرية وناطحات سحابٍ شاهقة وشوارع أنيقة تعج بالسكان، بل أن فيها أكبر أستاد كرة قدم في العالم (يتسع لـ150 ألف مشجع)، والذي بني بتمويل من الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أن فيها "أعمق" محطة مترو في العالم (110 متر تحت الأرض)، والتي بنيت (بتمويل سوفييتيّ) لتكون ملجأً في حال نشوب حرب نووية. إلا أنه وعند إمعان النظر في تفاصيل المدينة يتضح بأنها تمثيلية ضخمة من إخراج الحكومة الكورية في محاولة بائسة لتلميع صورتها أمام العالم وإيهامه بأنها قوية اقتصادياً، فهذه الناطحات أصلا خالية من السكان لارتفاع أسعارها وفقر الشعب بل ان كثير منها لم تبنى اصلا الا من الخارج.

فرضت على "جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية" عقوبات دولية قاسية وذلك لامتلاكها رؤوس نووية وانتهاكاتها الواسعة لحقوق الانسان، كان لهذه العقوبات أثر جسيم على كوريا فبعد سقوط الأب الروحي (الاتحاد السوفييتي) أصبحت في مواجهة وحيدة أمام العالم الذي لا يمكن أن تعيش دون مساعدته، فهي لا تملك ثروات طبيعية كالنفط أو الفحم ولاتملك معادن ثمينة تقايض بها. نتيجة لانعدام مصادر الطاقة يعيش 95% من الشعب دون كهرباء، والبقية الآخرة تشهد انقطاعها نصف اليوم، كما أن أعداد السيارات قليلة جدا وبعضها لا يزال يعمل بالفحم.

أمضت كوريا الشمالية عقوداً وهي تحكم شعبها بالظلم والاستبداد دون ان نرى اي بصيص لنور في آخر النفق، جميع السبل تبدوا منقطعة والأمل فانٍ.. باعتقادك، ما هو الشيء الذي قامت به حكومة كوريا الشمالية والذي جعلها تحكم قبضتها على شعبها بهذه الوحشية كل هذه المدة، وهل تعتقد ان شعبها سيثور قريبا، وكيف؟