لطالما في صغرنا تغنينا بقصائد لشعراء كبار وإن لم نكن نفهم معانيها مع ذلك تجذبنا كلماتها ، وعندما كبرنا قليلا تمنينا أن نسمعها بلسان أصحابها ، وعندما كبرنا أكثر وصرنا نفهم معانيها تمنينا لو يأتي من يكتب شيئا يحاكي واقعنا لنتغنى بهما بشكل أوضح ، فجاء الفرج .

.

فالشعراء هم أناس إن إختفوا ، إختفت معهم عدة طوائف كالمغنيين و الملحنيين .. ، ومن قصائدهم صيغت أروع الأناشيد الوطنية ( كالنشيد التونسي الحالي والمبهر في الحقيقة ، المأخوذ من كلمات الشاعر ذو النظرة المستقبلية الراحل أبو القاسم الشابي ) ، و بفعل التخلف الذي أصابنا قبل عقود مضت والواقع المتناقض ؛ عجل لألسنت الأمة بالرسوخ من جديد ، طبعا هي نماذج شتى لكن الفلسطيني تميم البرغوتي ، والمصري هشام الجخ ، والتونسي أنيس شوشان تفردوا بشاعريتهم البليغة و الهادفة .

فالأول " تميم البرغوثي " قد تفنن في التعبير عن قضية مركزية للأمة هي القضية الفلسطينية و إتجه مباشرة لعمق المشكل بخطابه الواضح لحكام الشعوب ( ومهد الأرضية للبقية ) بقصائد لن نمل من إعادة سماعها ببساطة لأنها ليست ببعيدة عن واقعنا ولم تنشد حتى إلا بسنوات قليلة قبل الربيع العربي ، أشهرها " في القدس " ، " بيان عسكري " .

أما هشام الجخ فقد تجاوب بشكل غير مباشر مع البرغوثي بقصيدته الشهيرة " التأشيرة " التي سطر فيها طريقا إن سلكه الحكام العرب نهضة الأمة ألا وهو " الوحدة " بصفتهم نائبي الشعوب وقائديهم ، [ فإن توحدوا توحدنا و إن تفرقوا ضعنا ] بعد أن عاتبهم بشدة عن كل تفرقة أصابت الشعوب العربية .

أما والثالث وهو الشاعر التونسي أنيس شوشان ( شاعر السلام ) فكأنما أتم كل شيئ و وضع الحجر الأساس في شكل الهرم ، حيث وضح أكثر خطوات الوصول إلى الوحدة بإذابة الخلافات الدينية و المذهبية ، إضافة إلى إختلافات العرق و اللون حيث ركز أكثر على العنصرية ، شخص كل ذلك في قصائد رائعة أهمها " سلام عليك " ، " بلا عنوان " .

.

فليس غريبا اليوم أن نر مقاطع (شعراء الواقع) مثل هكذا أمثلة تحصد ملايين المشاهدات في اليوتوب و الإعجابات في الفيسبوك ، لأنهم أمتعونا بكلماتهم وأطربوا أذاننا بأصواتهم و الأهم من كل ذلك أنهم خلفوا رسالة عميقة حركة عدة جوانب فينا ربما كانت نائمة .