يبدو أن 60 يوماً كانت كافية لتجعلني أجد نفسي مجدداً في هذه الحياة ،
استخدامي أو بالأحرى الإغراق في استخدامي للفيسبوك على مدى عامين جعل مني شخصاً مغايراً لما قبل " عهد " الفيسبوك ، لكنه جعلني أيضاً أشعر أن هناك شيئاً ما سلب مني حياتي .. سيطر علي .. و امتلكني شغفاً !
لم أكن أشك للحظة أنني غير قادر على تركه أو الابتعاد عنه ، لكن شيئاً آخر كذلك كان يمنعني مجرد اتخاذ هذا القرار أو التفكير فيه وكل يوم يمضي في الفيسبوك يشعرني أن هذا الكوكب جميل ورائع فعلاً ، لكنه ليس ذاك الكوكب المناسب للعيش على سطحه ، و غير كافي أبداً لتطلعات الحياة !
أنا شخصياً كنت غارقاً إلى حدٍ بعيد في أمواجه ، كنت مرتاحاً على الآخر فكل شيء يصلني بطرفة عين ، وأنا على بساطي السحري الطائر أتنقل أرجاء الكوكب .
رغم أنني كنت أوصف من قبل الكثيرين بإدماني استخدام الهاتف ومداومتي الطيران خارج السرب بعيداً والاستمتاع بمنظر السحب من على بساط الريح ، إلا أنني لم كن مقتنعاً أبداً أن هذا الظريف اللطيف قد امتلكني تماماً ...
نعم كنت أفتح ال " Opera " مباشرةً بمجرد استيقاظي من النوم ، وأضغط على " Refresh " بيد وأحمل كوب الشاي بالأخرى ، وربما أكتب تعليقاتي " واقفاً " على حافلات المواصلات ،، ولا أجد مانعاً من الجلوس لساعات طوال محدقاً إلى شاشة صغيرة تحيط بها يداي النحيلتين .
لم أكن أستطع الابتعاد عنه ولو لدقائق ، حتى وأنا " محمول" على ظهر موتر كنت أمسك بيد على السرج الحديدي والأخرى ألوح بها هاتفي النقال تتخاطفه الرياح من كل جانب وأنا أقلب آخر المنشورات أو أكمل قراءة ذلك البوست الذي لم أنتهي بعد من قراءته ، قبل أن أكتشف أن سرعتنا قد بلغت ال 100 كلم/س !
رغم كل ذلك لم أعتبر ذلك إدماناً بقدر ما هو " هوسٌ معرفي " ربما ، أو درجة حادة من " قلق الفيسبوك " ..
كانت حجتي أنني كنت مدركاً بدقة لما أقوم به لكني أتغاضى دوماً عن كسر هذا الروتين ،، لكن بعد أن أتى رمضان فكرت ملياً في حياتي التي أصابتها " الزرقة " ، وتلك الروح التي لم تعد شفافة كما السابق .. ؟!
وفي السابع من الشهر السابع قررت تغيير الدفة قليلاً و ترك الفيسبوك و" طي " ذلك البساط الأزرق ، والرجوع بكل الشغف إلى الحياة الحقيقية تلك الروح " الواقعية " المليئة بالعمل مع الألم وحلاوة الإنجاز بعد مر الإخفاقات .
- .. يعتقد الكثيرون أن ترك موقع مثل الفيسبوك قد يكون صعباً أو مستحيلاً في هذا الزمان الذي استحوذت عليه ال " سوشيال ميديا " خصوصاً مع كل هذا الارتباط الوثيق الذي يصعب فكه ، لكني وجدت أن الأمر ليس بهذه الصعوبة حقاً !! فالحكاية لا تتطلب اكثر من " تفكير عميق " بعمق مستوى الوعي ، و اتخاذ قرار دون أي تردد ، مدركاً تماماً لمعنى ما تفعله ،، ثم مباشرة الترك !
لا داعي لمسح " متصفح الانترنت " و " برنامج الفيسبوك " أو تعطيل الحساب ، أو الرجوع إلى زمن هواتف النوكيا الجميل ، التحدي الأجمل هو سيطرتك على نفسك حتى وأنت منشط لباقات الإنترنت .
- شخصياً ... تركتُ الفيسبوك كي أختبر هذه الذات الأنانية قليلاً - في المقام الأول - ،،،
.. كانت أول اسبوعين لي فيها " عادية " ، لكن في الاسبوع الثالث بدأ بعض " الحنين " بالسريان في جسدي مجدداً .. .. ما الجديد ؟ .. هل يا ترى أقيم المنتدى الفلاني ! .. ماذا كتب عن ذلك الموضوع ؟ .. ماذا يجري على نهر الأحداث ! ...
- انقطاع الأخبار و البعد عن متابعة المقالات ، ترك فراغاً كبيراً في داخلي ، 3 أيام كانت " عصية " ، كنت متوتراً و مقطوع الرأس كما يقولون . لكن سرعان ما " اتزنَت " البوصلة من جديد و اعتدت على الأمر ، و أصبح الفيسبوك جزءاً من الماضي .
أتممت 60 يوماً بدون أي Facebook ، و كان أمراً جيداً على الأقل بالنسبة لي :) .
ربما تكون النقطة المساندة في استمرار مقاطعتي المؤقتة لمنتجات العم مارك ، هي اكتشاف الثغرات في تعاملك مع " النظام " ، واستغلالها بإحلال بدائل أخرى أكثر فعالية و فائدة ، لذا قمت باختيار رفقاء جدد ( كنت قد أعددتهم مسبقاً ) وانتقلت إلى مواقع أخرى كثيرة ( كنت أمر عليها مرور الكرام ) ، منها المعرفي والعلمي والمجتمعي وغيرها .. كانت القائمة طويلة لدرجة أن وجودي بالفيسبوك كان يجعلني أتكاسل من مغبة مجرد تصفحها بتعمق والتسجيل أو الاشتراك بها .
" شددت رحالي إلى تلك ال " Bookmarks " العتيقة ^_^ واستمتعت جداً برحلة كم طال الشوق لها .
من الجيد أيضاً أنني استفدت من هذه " التجربة " أتممت قراءة كتاب لم أعتد على نوعيته تلك وأنهيت كورساً هو الثاني لي " فقط " في تجربة الكورسات المفتوحة إنترنتياً .
وأكثر ما ألهمني أنني وجدت نفسي مجدداً وعدت إلى جادة الطريق ، وعاد نسق الحياة إلى المسار المطلوب تماماً .
قد يكون غريباً أن من بين 8 أسابيع ، كانت " الثلاث أسابيع الأخيرة " هي التي استفدت فيها حقاً ... لكن لابأس فقد كسرت عقدة " الالتزام " التي لازمتني دهوراً .
- ما دفعني لكتابة هذه السطور هو أن هنالك الكثيرون لازالوا غارقين في بحر الفيس وتناسوا تلك الأرض الخصبة التي تنتظرنا ، ولم يوفقوا في حساب لعبة الأولويات ،، أعلم أن هناك من سيقول أنه يستفيد من الفيسبوك " أنا أيضاً كنت أحتج مع نفسي بذلك " لكن استفادة عن أخرى تختلف ، فالفيسبوك ليس المكان " الأفضل " للمعرفة بكل تأكيد ، لذا ببساطة لا داعي لنقضي كل هذا الزمن " المقتطع من أعز ما نملك " عليه ، الفيسبوك يجب أن يستخدم بوعي ذاتي أكبر ! ، في المرة القادمة انظر للوقت الذي تقضيه على " بساطك السحري " ، راقب عمرك ، قبل أن يتبلد إدراكك في مسارٍ واحد فقط !
أخيراً و بما انك وصلت هنا بعد هذه القراءة الطويلة " التي لا تعدوا عن كونها حب لمشاركة التجارب " ، أعتقد انك لديك الروح الكافية لتغيير نمط حياتك الاسفيرية والواقعية أيضاً إلى فضاءات أرحب و أكثر إنجازاً ..
.. بالتأكيد لديكم أنتم أيضاً تجاربكم الثرة مع هذا الإسفير ;)
.
التعليقات