لا يأتي افتتاح القنصلية في أربيل بشكل عشوائي، ففي ظل التوترات المستمرة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، خاصة حول ملفات النفط والموازنة والحدود، تُظهر واشنطن رغبتها في الحفاظ على نفوذها وتأثيرها في الإقليم الكردي، الذي ظل طيلة العقود الماضية شريكاً استراتيجياً غير رسمي للولايات المتحدة،وان فتح القنصلية بهذا الحجم العملاق يُعدّ تأكيداً على أن واشنطن لا تنوي التخلي عن حليفها التقليدي في الشمال، حتى لو كان ذلك على حساب حساسيات بغداد،لكن السؤال الجوهري لماذا في أربيل دون غيرها وبعد بحثي الطويل والعميق في ذلك وصلت الى إجابة (وهي)، حيث أن الولايات المتحدة تسعى إلى تأمين وجوداً دائماً في منطقة حساسة جيوسياسياً، قادرة على مراقبة التحركات الإيرانية، ودعم الشراكات الأمنية مع البيشمركة، وحماية المصالح الأمريكية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية،كما أن القنصلية قد تُستخدم كمركز لجمع المعلومات، وتنسيق العمليات، أو حتى كملاذ لإجندتها المزروعه داخل العراق في حالات الأزمات، ومن خلال تصريح وزير الخارجي الأميركي، التزام بلاده، بـ"حماية الأقليات الدينية والعرقية في العراق وسوريا"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد صديق للأقليات أفضل من الولايات المتحدة، وبرأي الشخصي ان مثل هكذا تصريح استخدمت به استراتيجية التفكيك كما فعلت في سوريا وهمشت المكونات وجاءت بـ الإرهابي الجولانيوجعلته رئيساً للحكومة السوريه، وبهذا الاستراتيجية يمكن التغلغل داخل مكوناتالشعب العراقي ومحاولة تفكيكه،وهنا يأتي دور القوىٰ الوطنية، وعلى رأسها الحشدالشعبي والقوات الرافضة للهيمنة، فإن هذا المبنى العملاق لا يمثل شراكة، بل يمثل تحدياً مباشراً للإرادة الوطنية التي تطالب بخروج القوات الأجنبية،وإن وجود هذا "الجسم الغريب" بهذا الحجم هو دليل إضافي على أن القوى المحتلة تسعى لتعميق سيطرتها من خلال خلق قواعد متقدمة دائمة على أطراف الدولة، مما يهدد بشكل مباشر مستقبل العراق كدولة موحدة ذات سيادة كاملة،وفي المحصلة، عودة القنصلية الأمريكية إلى أربيل ليست مجرد حدث دبلوماسي عادي، انما إعادة ترتيب الاوراق الأمريكية في العراق، وتُرسل من خلاله رسالة واضحة: على أن واشنطن ما زالت هنا، وتُريد أن تلعب دوراً مستقبلياً هذا العراق.