تأليف: بروس بيونو دو مسقيتا وألستير سميث
أستاذا العلوم السياسية في جامعة نيويورك بأمريكا.
في البداية، كنت أفضل أن تكون ترجمة العنوان إلى (دليل الديكتاتور) لأنها أشد وقعا، قد تقول أنها ليست عربية، ولكن هناك ترجمة في داخل الكتاب لل business إلى بيزنيس!
العنوان الفرعي للترجمة العربية: الفساد سبيلا للاستيلاء على السلطة.
والعنوان الفرعي للكتاب الأصلي "Why Bad Behavior is Almost Always Good Politics" لماذا يعتبر السلوك السيء غالبا سياسة جيدة؟
على كلٍ،
الإنترنت عالم عجيب، تنتقل من نقطة إلى أخرى ومن موضوع لآخر ولا تدري إلا وقد حططت رحالك في موضوع آخر تماما غير الذي أردته أول مرة. البعض بل الكثير يكره هذا الأمر باعتباره مصدرا للتشتت ولكن لننظر إلى الجانب المشرق، إنه مصدر لاكتشاف المجهول والتعرف على أشياء لم تكن تتوقع.
بعد رؤيتي لأحد فيديوهات اليوتيوب من يوتيوبر صاعد حديثا، كان الفيديو غير ملبٍ للتوقعات لكن ذكر في آخر الفيديو عن قنوات يوتيوبية أخرى يتابعها ويستفيد منها باستمرار. ذكر قنوات Crash Course وقناة أخرى لم أعد أذكرها وقناة CGP Grey ، أوقفت الفيديو، بحثت عن القناة ووقعت على فيديو (قواعد للحكام)
Rules for rulers
الفيديو الثاني
(Death & Dynasties (Rules for Rulers Follow-up
كلاهما مترجم بالعربية، ومفيدان حقا في معرفة أهم أفكار الكتاب.
بعد مشاهدتي للفيديو الأول أعجبني تحليله السياسي، ذكر في آخر الفيديو عن كتاب ينصح به واقتبس منه هذا الفيديو. بحثت عن الكتاب، وجدته، وقرأته وهأنذا أكتب مراجعة عنه.
بعد انتكاسة الربيع العربي، وآلاف الحوارات في السياسية، ظللت في حاجة إلى مقاربة سياسية أخرى غير هذه النمطية، هذا الكتاب قدمها وبقوة.
تلح علينا أسئلة من قبيل "لماذا يظل المستبدون محافظين على السلطة لفترات طويلة بينما يمكث الديمقراطيون فترة وجيزة؟ أو لماذا تظل البلاد المعرضة للكوارث الطبيعية غير مستعدة في غالب الأحوال؟ ولماذا تعاني شعوب من الفقر في دول تمتلك الموارد الغنية"
يحاول الكتاب الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
يبدأ الكتاب بعد المقدمة بقصة "أحزان بلدة (بل) بكاليفورنيا" وهي قصة بسيطة توضح السياسة عموماً بحسب وجهة الكتاب.
ثم يبدأ الكتاب بتحدٍ كبير وهو تخطئة كل مفكري السياسة السابقين أمثال ميكافيللي وتوماس هوبز وجيمس ماديسون ومنتسكيو وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.
يتحدث الكتاب عن فكرة رئيسية وهي تقسيم الفئات التي تحكم أو تؤثر في السلطة وهم:
• القابلون للاستبدال.
• المهمون.
• الضروريون أو الائتلاف الحاكم.
الفئة الأول وهي الفئة الأقل أهمية، الأخرى أكثر أهمية بقليل، الثالثة الأهم، لأن هناك قاعدة أساسية وهي "لا أحد يحكم بمفرده" بل بمساعدة الائتلاف الحاكم. إن لم يرض هؤلاء سيستبدلون الحاكم. وعددهم هو الذي يحدد طبيعة النظام الحاكم، الديكتاتوريات تملك القليل منهم، الديمقراطيات لديها الكثير.
من هذا التقسيم الثلاثي ينطلق الكتاب لعرض أفكاره المبنية على هذا التقسيم مدعمة بعشرات الأدلة من الحياة السياسية معظمها من العصر الحديث والمعاصر.
يحاول الكاتبان في البداية المساواة بين المستبدين والديمقراطيين؛ بدعوى أن كليهما يحاولان الحفاظ على السلطة كل بطريقته الخاصة وخضوعا للنظام السائد استبداديا كان أو ديمقراطي، لكن ينتقل الحديث على امتداد الكتاب لجعل كل مصائب الشعوب مرتبطة بالاستبداد حتى تلك التي لا أحد ينتبه لها كثير، مثل الانتصار في الحروب وعدد وفيات الكوارث الطبيعية.
يعرّف الكاتبان الأنظمة الاستبدادية هي التي تمتلك عددا قليلا من الائتلاف الحاكم، بينما الديمقراطية هي التي تمتلك عددا كبيرا من الائتلاف الحاكم أو الضروريين. العدد الكبير للمؤثرين في نظام الحكم هو ما يؤدي لتلبية تطلعات الشعوب تطلعات الشعوب.
لا يحاول الكتاب تعريف الديمقراطية تعريفا واضحا أكثر من أنها تعني ائتلاف الحاكم الأكبر معلنا أنها مختلفة بحسب الدول.
كبر الائتلاف الحاكم يعني المزيد من تلبية تطلعات الشعب؛ عندما يشعر الحاكم أن المؤثرين في بقائه على كرسي الحكم مرتبط بعدد كبير من الناس سيحاول بكل بساطة إصلاح أحوال أكبر قدر منهم للحصول على أصواتهم. المستبد لا يهمه كراهية الشعب له أو سوء معيشتهم فما دام يكرم ائتلافه الحاكم وهم قلة، فسيستمر بالحكم.
الكتاب يوضح أن ما يحدث في الشركات الكبيرة من فساد واستبداد يشبه ما يحدث في الحكومات، على درجة أقل حدة، لكنها موجودة وتخضع لنفس القوانين، القابلين للاستبدال، المهمين والضروريين.
عجبت من عدم شهرة الكتاب رغم أفكاره القوية والصادمة هذه في العالم العربي، وهذا عكس المتوقع من الفورة السياسية الحاصلة في المنطقة، يبدو أن الناس مشغولون بالتحليلات على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ولا يقرأون الكتب السياسية. رأيت أنه لم تسلم منه أكثر الحكومات العربية فبالتأكيد لن يحبه أحد.
بعض النقاط التي شدت انتباهي
يشير الكتاب إلى نقطة لا يؤبه لها. هي اختلاف المستبدين في تعاملهم مع الكوارث الطبيعية، حيث تموت جراء هذه الكوارث أعداد مضاعفة بالمقارنة مع كوارث مشابهة في دول ديمقراطية.
يشير الكتاب إلى النظر إلى جودة التعليم بطريقة مثيرة، ليس بعدد نسبة الشعب الذي يحصل على تعليم أساسي، بل بالنظر إلى جامعات القمة! تشير المصادر إلى أن الدول الاستبدادية تمتلك عددا أقل من نظيراتها الديمقراطية من جامعات القمة. في حين أن الدول الاستبدادية إن وفرت تعليما فهو بقدر توفير المال لخزائن الحاكم، ولا يحبون تعلم الناس عن التاريخ والإنسانيات.
يشير الكتاب إلى نقطة هامة جدا وهي رغبة الدول الكبرى، ترى الدول الكبرى مصلحتها قبل أي شيء وقد تكون في المستبدين ذوي الائتلاف الصغير الذي يمكن إعطائه القليل من المال مقابل رضاه وتنفيذه لمصالح تلك الدول. أما في الديمقراطيات فالحاكم يراعي مصالح بلده قبل أي شيء آخر، وشعوب الدول الكبرى (الديمقراطية) تراهم يؤيدون الحراك الديمقراطي في الدول الأخرى لكنهم لن يفضلوه إذا كان سيؤثر على حياتهم الشخصية ونمط حياتهم وهذا بالطبع سينعكس على سياسة حكامهم.
يشير الكتاب أن التطور التقني يشيع المعلومات، ويتيح تنسيق المعارضة والاطلاع عل حقيقة الأشياء وهذا يساعد على الإطاحة بالمستبدين بأقرب فرصة. لا أوافق هذا تماما، صحيح أن هذه يحدث في البداية ولكن وعت الحكومات بأهمية التقنية الحديثة لتجنيد إعلاميين والتجسس وإحباط أي معارضة محتملة.
الدول المستبدة الغنية بالموارد هي الأصعب تغييرا، فالحاكم يكدّس الأموال ويعطي ائتلافه الحاكم بدون أي خوف وهكذا تصبح الموارد نكالا على المحكومين.
قد يكون هناك مستبدون خيّرون يعملون لمصلحة شعوبهم وهذا نادر ولا يبنى عليه.
يحرص بعض المستبدين على إجراء انتخابات زائفة وحتى بوجود المراقبين الدوليين، فما الفائدة من إجراء انتخابات بدون غش إذا كان النظام الحاكم يمنع المرشحين المحتملين من الترشح؟!
ما العمل؟
في الفصل الأخير من الكتاب يقترح بعض الحلول للانتقال إلى الديمقراطية بعد كل هذه الكمية من الإحباط.
أحد الحلول التي يقترحها الكتاب للدول الملكية النموذج البريطاني في أن تتحول الأسر الحاكمة إلى أسر تحمل مكانة (شرفية) والحكم الحقيقي يقوم على أساس انتخابي بدلا من الصدام المباشر مع الأسر الحاكمة لأنها معركة خاسرة غالبا.
عندما يموت الحاكم، أو تقرب وفاته (إشاعة مرضه بمرض خبيث) أو عندما يكون مفلسا ولا يستطيع إغداق الأموال على الائتلاف الحاكم تصبح الأمور مواتية للتغيير، لذلك يشدد الكتاب مرات ومرات على خطأ المساعدات المالية من الدول الداعمة لأنها تزيد استمرار الاستبداد ولا يحصل الفقراء على المساعدات. على افتراض حسن نية الداعمين.
الحل بحسب الكتاب يكمن في توسيع الائتلاف الحاكم لأكبر قدر ممكن.
أقول: ولكن من سيقوم بذلك إذا لم يكن الائتلاف الحاكم أو ائتلاف آخر يضحي بالميزات مقابل طموح الشعب؟ المسألة تبدو كحلقة مفرغة وفي رأيي أنها تبدأ بوعي شعبي عميق من طبقات الشعب المحكومة ورغبة حقيقية تبدأ بالنفوس مرورا بالأسر والمجتمعات والائتلاف الحاكم الجيد سيأتي عاجلا أو آجلا.
بعد كل كمية الإحباط في هذا الكتاب يعرض تفاؤلا لإرضاء القراء بأن الشعوب كلها ستعبر الحد الفاصل بين الاستبداد والديمقراطية.
اعتراضات
أولاً، أعترض على الكتاب جهله بالتاريخ العربي الإسلامي والوقوع في مزالق ساذجة مثل التدليل على طريقة التخلص من الخصوم في الدولة العثمانية وكأن الدولة العثمانية التي امتدت لقرون بنفس الحالة ونفس الآلية مثل إحدى الدول الحديثة التي لا يزيد عمرها عن بضعة عقود.
النقد الآخر لخطأ وما أفدحه! عن الخلافة التي تلت وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن الحكم الذي تلا هو على نمط واحد وحكم واحد!!
يرد سبب فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022 إلى الفساد ويعلل ذلك بأنها دولة تحكم الشريعة الإسلامية وتمنع المثلية الجنسية!!!
الكتاب غيب الأيدولوجيات تماما، هناك بعض الأيدولوجيات ضد الديمقراطية وتعتقد أن لها الحق المطلق في تقرير الأشياء. هل الناس سواسية إلى هذه الدرجة؟ لا أظن ذلك.
يذكر الكتاب الأمور بدون أي ذكر لأي محرك أخلاقي، أليست الدعوة إلى الديمقراطية وإتاحة الحريات والحكم الرشيد أليست ذات بعد أخلاقي؟ وإلا لماذا يختلف المستبدون في بشاعة أعمالهم وتختلف الديمقراطيات في رشدها؟
أحد الحلول التي يقترحها الكاتب لدعم الديمقراطيات التدخل العسكري المباشر وهذا عين الخطأ، لا أحد يحب المحتل حتى لو تأكد الجميع من وعود الرفاه من المحتلين. لدى الشعوب المستضعفة تاريخ طويل بشع مع المحتلين. وهذا لم يتطرق له الكتاب بأي حال.
الكتاب يتحدث عن عشرات الوقائع والأحداث شديدة الحساسية حول العالم. من أفريقيا إلى الشرق الأوسط إلى أقصى الشرق والغرب إلى الشركات الاقتصادية. العجيب في الأمر أن الكتاب لم يذكر بالاسم الشركات الاقتصادية أو القليل منها فقط. هل أصبح نفوذ الشركات الكبرى وسمعتها أكبر من الحكومات؟! أم أن إضافة الشركات مجرد لاحقة وتثبيت للقول.
لنعد لنقول أين المصادر؟ كل هذه الأخبار ليست مجمع عليها.
كلمة أخيرة
على الرغم من كل هذه الاعتراضات فالكتاب يستحق القراءة لكل من يريد فهم طبيعة السياسة من حيث هي. يمكن اعتبار هذا الكتاب "الأمير" للقرن الواحد والعشرين.
الكتاب مفاجئ وصادم ويفتح عينيك على الكثير من الأشياء التي لم تكن لتنتبه لها. يبسط الأمور لدرجة مخلة أحيانا لكن لا يمكن أن تعود بعد قراءته كما كنت.
التعليقات