منشور| انقراض الأدب العربي: حتى رسائل غادة السمان قد لا تجد من يقرؤها
قالت غادة السمان :
( لا يزالُ اسمُكَ الاسم الوحيد الممنوع من الصرف في حياتي ) !
وهي بهذه الخاطرة تريد أن تعبرَ عن استحالة زوال اسم المحبوب من حياتها كاستحالة صرف الاسم الممنوع من الصرف في عالم النحو !
وهذا تعبيرٌ باردٌ لا يمُتُّ للحبِّ ولا للعاطفة بل يستطيعه أقلُّ الناس ثقافة ايجادا وتعبيرا . فكُلُّ دارس للنحو يعرف الاسم الممنوع من الصرف ولا يجد صعوبة في عقد صورة الممنوع من الصرف مع صورة ثبوت الحب وعدم زواله ، ولكن كما أخبرتُكم أن وراء هذه الطائفة الأعداء يروجون لهم ويجعلون من تهويساتهم نماذج وخواطر أدبية باسقة وشامخة ، وهي في الحقيقة حقل ( بقلٍ ) من الجرجير والكرَّاث ذوي الرائحة المنتنة الخبيثة ، وسأنقل لكم صورة رائعة من تاريخنا الادبي العريق في ثبوت الاسم وثبوت الحب في فؤاد المحبوب ، صورة تَدُلُّ على قمة عالية لاجدادنا في هذا الباب ، فاستمع لقيس بن الملوح :
لقد ثَبَتَتْ في القلبِ منكِ مَحَبَّةٌ
........... كما ثَبَتَتْ في الرَّاحتينِ الأصابعُ
فهل هذا البيت المفعم بالعاطفة وبالصورة الرائعة يشبه تخرصات غادة السمان ؟!!
ولو أردنا نبش خزعبلاتها في تلك الخاطرة الشوهاء لو جدنا الى ذلك سبيلا ، فالاسم الممنوع من الصرف له حالاتٌ يُصْرَفُ فيها منها :
1- دخول لام التعريف
2- والاضافة
ولكنَّ ثبوتَ الاصابع ثبوتٌ أقوى ، ولا فِراقَ بين الراحة والاصابع الا بالموت او عارضٍ يُحْدِثُ نهرَدَمٍ مؤلم .
فخاطرتُها جامدةٌ باردةٌ هي أشبَهُ بدرس نحوي للصغار ! ولا يمُتُّ للعاطفة ولا لدروب الفؤاد .
بل أجدادنا من شِدَّة عشقهم لاسم المحبوبة جعلوه يتعدَّى الى غيرها !
فهذا ايضا ابن الملوَّح يقول عن ليلى واسمها :
ولا سُمِّيَتْ عندي لها من سَمِيَّةٍ
........... .......... من الناس إلا بَلَّ دمعي رِدَائيا
أُحِبُّ من الأسماء ما وافق اسمَها
......... ........... أو شبيهَهُ أو كان منه مُدَانيا
هي السِّحْرُ الا أنَّ للسحرِ رُقْيَةً
................... وإني لا ألقى لها الدَّهرَ راقيا
فهل هذه اللوحات الرائعة والعواطف الجَيَّاشة من مكلوم الفؤاد تشبه ( اسم الصرف ) عند السورية غادة السمان ؟!!
بل يعممُ قيس العامري الأمان والسلام على الظباء لأنها شابهتْ ليلى محبوبَتَهُ :
تروحُ سالماً يا شبيهَ ليلى
................. ........ قريرَ العينِ واستَطِبْ البقولا
خليلي أنقذتْكَ من المنايا
........................ وَفُكَّتْ عن قوائِمِكَ الكُبُولا
فاسمُ المحبوبة حبَّبَ اليه كلَّ اسم مشابهٍ أو مدانٍ لاسم ليلى بل من شابه جمالها من الظباء اكتسب الامن من القانص والصائد ، هذا هو الحبُّ وهذا هو الوفاء وهذا هو الثبوت والقرار ليس ( الاسم الممنوع من الصرف ) على وزن الفعل والاسم الاعجمي وصيغة منتهى الجموع انه درسٌ جامد من دروس النحو الخالية من ابسط العواطف القلبية وحرارة الاحشاء .
فأرجو من غادة السمان أن تَكُفَّ عنا هذيانها وهوسَها ، وأن تعكُفَّ على العريق من تراثنا تتعلم وتجاريهم ان ارادتْ ذلك وأنَّى لها ؟!
ونستمع لهذيان آخر من هذياناتها :
قالت غادة السمان :
( الوعدُ المؤجَّل أحلى من خيبة التحقيق ) !
فهي في هذا الهذيان تقول : الوعد بالجميل والخيروان كان مؤجلا فهو أحلى من وجوده في عالم الواقع على صورة خيبة وفشل .
وهذا كلام أقرب الى الهرطقة وتعاويذ المشعوذين ؛ لأنها جعلتْ اسم التفضيل ( أحلى ) بين الوعد بالجميل والخيبة والفشل في عالم الواقع ، ونعلم ان اسم التفضيل مشترك بين الاثنين فالخيبة والفشل فيهما قدرٌ من ( الحلاوة ) اذا !!
ولكن استمع الى العذب النمير الذي هو أزكى من العسل في جراره ، قال أبو الحسن علي بن محمد التِّهامي :
أهتزُّ عندَ تمني وصلَـهـا طَـرَبـاً
............. ورُبَّ أُمْنيَّةٍ أحْلى مـن الـظَّـفَـرِ
فهو يَهْتَزُّ لمجرد تمني وصلها حيث يسيطرُ عليه الطَّربُ وهو الفرح والسرور ، ويريد أن يصف لنا هذا الطربَ الحادث بسبب تلك الأمنية حيث يجعلُه ( أحلى ) من تحقيقها في عالم الواقع وهو الظَّفَرُ بأمنيته وتحقيقها ، فهذا هو الجمال وهذا هو الكلام الرقراق الذي ترْتَجُّ له الكتائبُ قبل أهل الأسمار !!
التعليقات