لا أدري كيف استطاع الكاتب أن يجعل من رحلة رهط من الأقزام رفقة ساحر ممتعة إلى هذا الحد ؟
إنها من عينة القصص التي تعجزك عن التصنيف، خليط احترافي من أذواق شتى.. قصة أطفال في الأصل ولكن يتضح فيما بعد أنها ليست كذلك بالضبط. قصة مغامرات قاتلة لكنها ساخرة إلى حدّ القهقهة.. ذاك التلاعب البارع بمزاج القارئ، حيث لا يكاد يمل حتى يضحك، ولا يكاد يستخفّ حتى يُفاجأ !
حسب ما جاء في المقدمة، فإن غرض الكاتب من القصة في البدء كان مجرد حكاية قصة لطفلته تقريبا، ثم لما تقدم بها للنشر رفضت. وبعد لأي طويل - كعادة الكتاب في كل زمان ومكان – نشرت القصة ولاقت نجاحا ما. ثم جاء الناشر مهرولا ليطلب من الكاتب جزءا ثانيا بعد أن نسي هذا الأخير الأمر برمته.. ولكنه تحمس بعدها – ربما أكثر من اللازم – وألف جزءا ثانيا من أزيد من ألف صفحة. ليوبخه الناشر على هذا الحماس الزائد. ثم كانت فكرة تقسيم الجزء إلى ثلاث قطع، وولدت بذلك ثلاثية سيد الخواتم الشهيرة، وما هي إلا جزء ثان من هذا (الهوبيت).
ذكرتني سخرية الكاتب البريطاني بطريقة أحمد خالد توفيق رحمه الله، عندما يقول شيئا من قبيل (لم يكن هذا أسعد يوم في حياته)، أو (هذا الصمت لم يعجبني كثيرا..).. تلك اللمسات الخاطفة المبيدة لكل ملل، وغيرها مما يدل على ذكاء المؤلف العاطفي، فهو يضع نفسه محل القارئ ويتجنب ما من شأنه الملل، فإن كان لابد من فقرة ثقيلة فلا تجعلها صفحة أو صفحتين فيتبعثر تركيز القارئ ويخرج من أجواء القصة وقد لا يعود..
كذلك تلك المفارقات المضحكة بين خطورة الموقف والتعليق على مدى الجوع، كأن الكاتب يكتب ويسخر مما يكتب معك وأنت مستمتع ولا تمانع !
وأما عن التشويق عند نهاية كل فصل والتنويع في استخدام الأساطير الجرمانية من شعوب الأقزام والعمالقة والذئاب وما أشبه.. فكان شيئا ذكرني كثيرا بما قرأته من ألف ليلة وليلة، إلا أن الفرق هنا أن الكاتب تخيل أرضا وشعوبا وأسماء وأشياء من محض الخيال ولم ينزل تلك الأساطير على الواقع فحسب وهو ما يطلقون عليه (الفانتازيا)، كما أنه لم يكتفي بجمع الأساطير الجرمانية ويراكمها الواحدة تلو الأخرى، بل تم توظيفها في سرد قصصي باذخ.. لن تقرأ مثله مرة أخرى في الغالب.
ما أعيبه على الترجمة هو بعض الركاكة في تعريب الأشعار.. فلو تولى أمرها شاعر لخرجت ربما في حلة عربية بديعة..
أرجو فقط ألا يدخل (الآلهة) الخرافية في الأجزاء اللاحقة حتى لا أتحرج من قراءتها.. وإنها لرائعة من الروائع الخيالية الخالدة.
رفعت خالد
المغرب، يناير 2024
التعليقات