كان من قاطني الدور الأرضي في حي شعبي بجنوب عاصمة الألف مئذنة القاهرة الشامخة، ورغم علمه بما يعانيه سكان هذا الدور من مآسي جمة إلا أن من سمع ليس كمن رأي، فقد ابتلاه الله جل في علاه بحفنة من الجيران لم يتخيل قط أن يتعامل معهم وجهاً لوجه في يوم من الأيام.
فهناك من يلقي بالقمامة في الشارع فتسقط أمام شباكه ليس ذلك فقط وإنما في الخلف أيضاً لتسقط في البلكونة شبه المنهارة - والتي لم يكن لها حظ من ضمير لدي بانيها فأصيبت بشرخ في المنتصف قسمها نصفين كالكوريتين في آسيا وأصبحت آيلة للسقوط وذلك أيضاً بفضل مياه المجاري التي تسير تحتها من البلاعة المجاورة لها لجيران آخرين - ليكون لزاماً عليه أن يقوم بدور جامع القمامة لينظف له ولغيري ما لم يكن سبباً فيه، وهناك من تلقي المياه القذرة من مزرابها في أعلي دور - والذي لا يجب أبداً لمن له عقل أن يكون في بلكونة من يسكن أعلي من الدور الأرضي حتي لا يؤذي أحداً - لتسقط في شفاطه المسكين فيمتلئ المطبخ بهذه المياه القذرة بما في ذلك المشاية، وهناك من يتفننون في إلقاء القمامة فيما يشبه المنور في العمارات الكبري فوق البلاعة صاحبة الغطاء المكسور وبجوارها أيضاً لتصبح مزبلة يشم رائحتها كلما سمحت له نفسه أن يدخل الحمام ويكون مطالباً كما اعتاد أن يزيل ما بها من قاذورات سواء عن طريق جامع قمامة انتهازي يريد أكثر مما يستحق أو عن طريقه فيكون معرضاً لحشرات ضارة يمكن أن يصل بك خيالك لأبعد مما تخيل في صفتها، وهناك أيضاً الغسيل الذي يقع دائماً من حبله في كل مرة ليهوي في البلكونة الآيلة للسقوط ليدق جرس الشقة ولو في وقت متأخر من الليل معلناً عن قدوم صاحب الغسيل مطالباً به وكأنه حامي حماه والمكلف بذلك وهو ليس ذنبه بالطبع، ثم نأتي إلي الطامة الكبري ألا وهي لعب الكرة من الأمام والخلف وفي وقت واحد والتي كرهها بعد أن كان يحبها حباً جماً في الماضي قبل أن يري ما رآه حيث يتباري الأطفال- وما هم بأطفال - في لعبها وكأنها شهوة قد تملكتهم فيلعبونها ليل نهار غير مبالين بمن يحتاج للراحة من مرض أو عناء يوم طويل في العمل أو طالب يستذكر دروسه ولو كان الشباك والباب بشراً لما توقفوا عن الشكوي من هول ما رأوه من ارتطام الكرة وبقسوة متناهية بهما دون رحمة لهما ولصاحبهما ومهما اشتكي فلا حياة لمن تنادي، وهناك أيضاً من تسبب سوء ضمير من قام بعمل السباكة لحمامه في تسريب للمياه أودي بحياة النقاشة حديثة الولادة دون ذنب جنته ثم ننتهي بالشتامين والسبابين واللعانين وهم كثر ومن كل الفئات أطفالاً وشباباً وشيوخاً في بلدنا المتدين بطبعه!!!.
تري هل هذا ابتلاء أم عقاب إلهي؟! لا يعلم لكنه يشعر بمرراة ومهانة كبيرة لعدم قدرته علي إيقاف المؤذي عن إيذائه خاصة وأن الأخلاق الحميدة لا تجدي معهم ومن تربي عليها لا يطيق أن يحيد عنها مهما حدث وحتي لو حاول التجربة فلن يجاري البذيئ في بذائته.