مرحبا بكم في مقاطعة "بوكشون" سيول كوريا الجنوبية ، هنا يمكنكم إيجاد الأسقف الكورية المذهلة التي اختصت بها العمارة الكورية التقليدية.

بالنظر إلى هذه الأبنية سيكون من الطبيعي أن يتبادر إلى ذهنك أنها لم تعد تبنى بنفس الجودة كما كانت في الماضي. لكن : هل هذا صحيح فعلا ؟ لأننا لا ننظر إلى كل المنازل التي وجدت حينها، نحن في الحقيقة ننظر فقط إلى عينة مختارة منها . المجموعة تمكنت من الصمود إلى يومنا هذا. لذا من المنطقي جدا القول أن هذه المنازل تمثل أفضل ما بني و ما تم الحفاظ عليه، و عليه فهي لا تمثل و لا تعطي فكرة صحيحة عن الطريقة التي كانت تبنى بها الأشياء في ذلك الوقت. حالها حال العديد من الانطباعات التي نكونها عن الكثير من الأمور.

هذا ما يعرف بالانحياز للنجاة أو انحياز البقاء ،و الذي يلعب دورا كبير في كيفية تفكيرنا عندما ننظر إلى عينات غير مكتملة.

المثال الكلاسيكي لانحياز البقاء يأتي من الحرب العالمية الثانية أين كان البريطانيون يخسرون العديد من قاذفات القنابل عند طيرانها فوق الأقاليم المحتلة بشكل متكرر، ما جعلهم يقررون فعل شيء ما..عليهم أن يضيفوا درعا إلى المقاتلات لكن طبعا لم يكن باستطاعتهم تدريع الهيكل بأكمله لأنها و ببساطة ستصبح ثقيلة جدا لتطير و لتصل إلى أهدافها. لذلك فقد كان بإمكانهم إضافة دروع إلى أجزاء مختارة فقط من الطائرة ، و التي ستوفر أكبر قدر من الحماية.

بداية قاموا بدراسة كل الطائرات التي نجحت بالعودة وسجلوا كل الأجزاء التي أصيبت بها. و افترضوا أن الخيار الأنجع هو تدريعها ما سيوفر حماية لعدد أكبر من المقاتلات. بالطبع تلك فكرة رهيبة، لأنك تنظر إلى الناجيات، بمعنى آخر تلك التي استطاعت الإفلات و العودة. أما التي لم يسعفها الحظ فهي من عليك تدريع الأجزاء المصابة فيها. لكن كيف يمكنك تحديد هذه الأجزاء في حين لم يتسنى لك رؤِيتها ؟ الإجابة تكمن في أن تفترض نوعا ما أن قاذفات القنابل تتم إصابتها بطريقة عشوائية و أن التي تعود إليك هي التي تصاب في مناطق غير حساسة و لا تؤدي بالضرورة إلى سقوطها. ما ينتهي بنا إلى النتيجة الآتية : المناطق التي لم تصب فيها هي المناطق التي علينا تدريعها..قد تبدو الفكرة غير متوقعة لأنك تهمل انحياز النجاة، لكن حتما حينما تدرك أنك تنظر إلى فئة مختارة بشدة يصبح الأمر بديهيا. أن عليك حماية التي تعود سالمة لأنها تمثل الأجزاء المهمة والحساسة في الطائرة.

انحياز البقاء ليس مجرد شذوذ إحصائي ساخر، لأني أعتقد بأن له تطبيقات جمة في حياتنا العملية. على سبيل المثال كثير ما نقرأ عن كيف أن أشخاصا مثل "ستيف جوبز" أو "بيل غيتس" أو الرجل الذي أسس "دال" تركوا الجامعة. و كيف أنه من المفترض بالشباب اللامعين أن يحذوا حذوهم، و حينها عندها فقط يمكنك أن تنجح مثلهم بفضل حماسك و شغفك لأنك لا تحتاج إلى التعليم الجامعي، تلك مبدئيا هي رسالة أولئك الناجحين. لكن ما يغفل عنه هنا هو جميع الأشخاص الذين تركوا الدراسة و لم ينتهي بهم المطاف كأفراد ناجحين. لأنه في الواقع عند النظر إلى العينة الكلية نرى أن الحائزين على شهادات جامعية يكونون أكثر نجاحا و يجنون مالا أكثر و أقل عرضة للوقوع تحت طائلة الديون.

لذا عند جمع الفائزين و محاولة إيجاد صفات مشتركة نقع غالبا في المتاعب.

بيت القصيد أن هذه الطريقة في التحيز بعد فوات الأوان عند النظر إلى من حافظ على نجاحه إلى يومنا قد لايكشف النوعية الفعلية للموضوع الذي تبحث عنه، بالمقابل قد يكشف قليلا من الحظ.

الجانب الأكثر إثارة للقلق في ما يتعلق بالانحياز للنجاة تبادر إلى ذهني في أحد الأيام عند كنت أناقش و صديقي مدى كون الحياة عادلة. بمعنى آخر: هل الإستحقاقراطية تنطبق فعلا على أولئك الذين يتمتعون بأفضل المهارات و أنبل القيم و ينتهي بهم المطاف أفراد ناجحين؟ صديقي قال أنه شعر بأنها كذلك. بالنسبة إليه العالم عادل بالفعل. لكني أدركت حينها أن واحدة من تلك اللحظات التي يتجلى فيها الانحياز للنجاة. لأنه بسبب نجاحك ونجاتك أنت يبدو لك العالم عادلا. فمثلا لو عملت بنفس الجهد و إتخذت كل الأسباب و مع ذلك لم تصل لأي نتيجة لرأيت أن العالم أكثر ظلما مما ظننت.

لكن مجددا العالم يحكمه الذين نجحوا لأنهم يمتلكون الموارد كلها و التأثير الأكبر لذا باستطاعتهم إخبار أنفسهم تلك القصة، أي أن ما يملكونه هو نتيجة عملهم الجاد و براعتهم ومثابرتهم في إنجازه. ربما هم محقون إلى حد ما و لكن ربما كان للحظ دور إلى حد ما أيضا. و كذلك الواقع بالنسبة للآخرين ممن عملوا بنفس الجد ولم ينتهوا بالضرورة إلى نفس النتيجة. لكن بما أن الفائزين هم من يضعون القوانين فهم كذلك من يتسنى له الحكم بدور الحظ أو رفضه نهائيا. ربما كون الناجين هم أصحاب القرار هو أسوأ جزء في انحياز للنجاة.

المقال الآتي مترجم من قبلي نقلا عن فيديو بعنوان "انحياز النجاة"

-بتصرف.

this article was translated by me from the video entitled " survival bias" by 2Veritasium:

====================================================