ماذا اذا ظلت افكارنا طي النسيان ! .. ليس فقط من جمهور ليس موجود ولكن حتى من انفسنا.

ما الذي يدفعنا على الافضاء بما ينهش في انفسنا كحريق استولى على غابة! .. وتخليقه في اي شكل من اشكال الفنون . وما القانون الذي يحكم ظهور فنان او كاتب او شاعر او موسيقي او اي موهبة و عدم ظهور اخرى ؟! 

أكلٍ وليد الصدفة؟! او هي مجرد اقدار مسبقة التتمة .. فهناك من قدر لهم ان يُسمعوا .. وهناك من قدر لهم ان يُدفنوا بما تمتلئ به انفسهم.

ولكن مشكلتنا ما هي الا مشكلة آذان صاغية ! .. فمن يصغي ؟ .. ولمن يصغي؟ .. ومن اين يُعثر على هذه الآذان! .. ولكن ليس كل ذي اذٱن يسمع . وبفرضنا انه سمع فليس بالضرورة انه يبصره وان ابصره من الممكن ان لا يدركه و ان ادركه فمن الصعب ان يلمسه.

اذا فليمت كل الخلّاقين بما يخلقون .. و ليمت الفلاسفة بمذاهبهم و فكرهم .. وليصطحب دافنشي موناليزته معه الى قبره. وليترك ذرادشت حشد السوق ليستمتعوا ببهلاونهم ولا يخاطبهم فيما لا يفقهون.

وبهذا يمت كل دين وكل فن و كل مذهب وفكرة و نتراجع حتى نسكن الكهوف مرة اخرى.

و هذا لانكم لا تريدون ان تمضوا الى العمق .. ايها السطحيين الكسالى .. لا تريدوا الانصات والتفكر .. لا تريدون اعمال هذه العقول النتنة او اشغالها في البحث عما يجب البحث عنه.

فبتقدم العصور تضمحل القدرة على السمع.. فترانا في هذا العصر يصعب خروج مفكر او موهوب منا .. و بتقدم العصور يصعب هذا اكثر فاكثر. فكلما تقدمنا شاعت السطحية .. وغرقنا في اللغو واللهو. واضمحلت اسماعنا حتى نصبح بلدان من الصمّ.

لا يمت الفلاسفة او العلماء او المبدعين او الخلاقين بوجه عام بالموت الحقيقي لهم .. بل بموت كل ٱذان سامعة تسمع لهم .

فلا فكرة ولا عمل خُلد في التاريخ الا لانه قد ظفر بٱذانه الخاصة التي انصتت وتمعنت .. فصعد ما صعد للنور. فاذا كانت مكاتب البحث العلمي و الاكتشافات استمرت في رفض هذه الورقة البحثية الصغيرة من هذا الشاب الدارس للفزياء والمتقدم بطلب وظيفة في الجامعة.. لما كان هناك اينشتاين .. ولا كانت ولدت النظرية النسبية التي غيرت مجرى الفزياء فيما بعد.. او للدقة لكانت قد ولدت و لكنها لم تُسمع .. و الحالتين سواء.

و ماكان لنيتشة و ماركس و سارتر وشوبنهاور و فرويد و ارسطو ان يصبحوا بهذه الاسماء الضخمة لو لم يُقرأ لهم .. ويُمعن فيما خطت ايديهم. فالفارق بين العصور القادمة و ازمنتها السابقة .. هي قلة عدد المستمعين بالتدريج مع مرور الوقت.

ولكن الطبيعة بها ميزة جبارة ؛ انها تعوض نقص الكائن بالطفرات حتى يتكيف مع وضعه المحيط .. لذلك فانا سينمو لنا ٱذان كاذٱن الحمير شكلا و موضعا.