أوسوالد شبانغلر في كتابه decline of the west

يقدم رؤية جديدة لفلسفة التاريخ، إذ يرى بأن النظرة التقليدية للتاريخ الإنساني (عصور قديمة ثم القرون الوسطى الى الحداثة والتنوير) او بعبارة أخرى الانتقال الإنساني من الجهل البدائي إلى المعرفة والعلوم المعاصرة هو تصوير خاطئ للتاريخ الإنساني، فعلى سبيل المثال شبانغلر يظن ان مانطلق عليه العلوم المعاصرة ماهو إلا معالجة غربية للمعلومات الحسية بناءا على خصائص النظرة الغربية للعالم، وهي ليست صحيحة كليا من وجهة نظر موضوعية، من بين هته الخصائص هو الغرور الأوروبي والرغبة في القوة، فعلى سبيل المثال نظرة داروين للحياة على أنها صراع للبقاء قد تراها ثقافات أخرى تعاون بين الأنواع للبقاء، كالعلاقة بين الزهور والحشرات الملقحة لها.

شبانغلر يقول أن الpatterns التي قام من خلالها داروين ببناء نظرته للبيولوجيا نجدها حاضرة مسبقا عند شوبنهاور وجورج برنارد شو.

من بين الأفكار التي طعن شبانغلر في صحتها هو الاعتقاد السائد على أن الحضارة الغربية هي الوريث لما كان يسمى الحضارة الكلاسيكية، وأن عصر النهضة لم يكن استنساخ للممارسات الكلاسيكية بقدر ماكان محاولة تخيل لها، واعادة بناء أنماط جديدة مختلفة، فتراجيدبا شكسبير تختلف اختلافا جوهريا عن التراجيديا اليونانية القديمة.

عند اليونان كان البطل يصنع من قبل الالهة ثم تحدث له التراجيديا كقدر له، بينما عند شكسبير فالبطل يصنع التراجيديا عن طريق هفواته وقراراته الخاطئة، التراجيديا عند شكسبير كانت تعكس النظرة الغربية القائمة على ال ego وwill to power.

حتى نفهم مقاربة شبانغلر يجب علينا اولا فهم الفصل الذي أتى به شبانغلر بين ما يسمى التاريخ والطبيعة، للتوضيح شبانغلر ينفي البعد الزمني من المقارنة التاريخية، فهو يستخدم التاريخ لدراسة الأحداث التي يكون فيها الترتيب الزمني ذا أهمية، بينما يستعمل الطبيعة لدراسة الأحداث اللازمنية اين يكون الاهتمام موجها للمكان بدل الزمن.

إذا أخذنا مثلا قوانين نيوتن للجاذبية هي تحدث في كل زمن وبالتالي هي مكانية وليست زمنية أي هي أحداث طبيعية وليست تاريخية، بينما وعلى النقيض اذا أخذنا الأحداث الأخيرة في الجزائر ترشح بوتفليقة،. الحراك ، عزل بوتفليقة، انتخاب تبون رئيسا جديدا.. نرى هنا ترتيبا زمنيا للأحداث وبالتالي يكون للتاريخ وجود وقيمة.

شبانغلر ومن هذا المنطلق ينظر للحضارات على أنها حبات من البرتقال في كيس واحد أين لايوجد ترتيب كرونولوجي بينها، وبالتالي كل واحدة منفصلة ومستقلة بذاتها، فالحضارة الكلاسيكية نتجت عن نظرة خاصة للعالم تختلف عن التي نشأت عنها الحضارة الغربية، وأن ظهور احداها بعد الأخرى هو نتاج صدفة محضة.

كنتيجة دراسة شبانغلر المقارنة للحضارات هي مكانية بدل ان تكون زمنية ،والتاريخ لا يدخل إلا ضمن دراسة الحضارة نفسها منفصلة عن غيرها.

قوانين شبانغلر للتاريخ لازمنية وغير متغيرة تنطبق على كل الحضارات تشبه في ذاتها قوانين نيوتن للجاذبية.

كل حضارة في نظره تتبع pattern معين بغض النظر عن تاريخ ظهورها، فهو يقسم تاريخ كل حضارة لأربع فصول كفصول السنة، ربيع صيف خريف وشتاء، بحيث ان كل حضارة تكمل فصول تاريخها تدخل مرحلة مايطلق عليه راحة ما بعد الحياة، أين يصبح اي إنتاج او تقدم حضاري لها غير ممكن.

لأكون اكثر دقة شبانغلر يستعمل بالإضافة للمصطلح الحضارة مصطلح الثقافة كسابق له يحتل الفصلين الأولين الربيع والصيف، بحيث تعتبر الثقافة هي نظرة الجماعة القاطنة لحيز مكاني معين للعالم من وجهة نظرها الخاصة، بالتالي فالثقافة الإسلامية قد انطلقت كثقافة تطورت لتتحول مع نهاية صيفها لحضارة.

في مرحلتي الربيع والصيف تكون المجتمعات قروية rural والقوة تتركز في الحظائر، اما في المرحلتين القادمتين تصبح مجتمعات عمرانية وتظهر البورجوازية بينما تتركز القوة في المدن.

في اطروحته يحاول شبانغلر المقارنة بين الإنتاج الثقافي لكل من الحضارتين الاغريقية والغربية لغرض تبيان الاختلاف الجوهري بينهما، يقول شبانغلر ان الفنون الكلاسيكية كانت تهتم اكثر بالاجساد والتجسيد بطريقة مغلقة وثنائية الأبعاد بعيدا عن العمق والتمدد، فقد كانت تنظر للاجسام بدون النظر في العلاقة بين الأجسام.

من جهة أخرى يرى شبانغلر ان الحضارة الغربية قد أولت اهتماما للعلاقات بين الأجسام وقد استطاعت إعطاء تصورات اكثر عمقا، لذلك نرى ذلك الاهتمام الكبير لها بالمالانهاية، فعلى سبيل المثال إذا القينا نظرة على الرسومات الكلاسيكية سنرى معظم المساحة احتلتها الأجساد والتي تقوم بافعال بينما نرى عمقا اكبر في اللوحات الغربية أين يتم تصوير  الموضوع ضمن أفق وسياق.

الهندسة الاقليدية تظهر التعامل الكلاسيكي مع الأجسام في ذاتها كالمثلثات والدوائر، بينما يتعامل النموذج الغربي مع العلاقات بين الكيانات والصيغ المجردة،

نرى الاختلاف حاضرا حتى في cosmology، أين يصور الكون ككرة كريستالية في النموذج الكلاسيكي بينما هو مجموعة هائلة من المجرات تتوزع ضمن نطاقات لامتناهية من الزمكان عند الغربي.

شبانغلر يقول ان النظرة الكلاسيكية ليست خاطئة بالضرورة إنما هي قضية وجهات نظر، فحضارة مثل الصينية لم تسبق الغربية في اختراع the perspective لنقص فيها إنما فقط هي لم تلمس الحاجة لذلك.