عندما كنت طفلاً يقضي ساعاته قبل نومه ومجيء أمه يشاهد التلفاز كانت البرامج التلفزيوني لا تعد ولا تحصى . ينتهي هذا البرنامج الممتع ليأتي برنامج آخر أو فيلم أمتع منه . وعندما اسمع صوت صرير الباب معلنا مجيء أمي ، كنت أشخر ممثلا نومي خائفا من عقابها .

لنعد إلى الأفلام العظيمة التي كنت أشاهدها وخاصة تلك التي تتضمن وجود حيوانات ككلاب أو قطط مثل Dr.Dolittle ، الذي أقنعني بإمكانية التحدث مع الحيوانات ووجود لغة نتفاهم فيها نحن بنو البشر مع الحيوانات.وهناك الفيلم الطريف cats&dogs... القطط والكلاب ، الذي ما زالت هناك بعض المشاهد عالقة في دماغي ، تؤجج الحنين لقططي التي صاحبتني إلى عمري هذا .

وبالحديث عن الطفولة لا بد لي من ذكر المشهد الذي لم يدعني أنم طيلة ذاك الشهر ، مشهد موت صديقتي التي لم ألحق أن أسميها حتى .كنت كباقي أولاد جيلي ننزل الشارع للعب الكرة والغميضة وحرامي شرطة وثلج وماء وبعض الالعاب التي ابتدعناها . كنت العب کعادتي من أيام الأربعاء قبل أن يسنّوا قانون إجازة الجمعة والسبت.. فجأة بلا مقدمات قفز شاب بسيارته مسرعا على طول الطريق الضيق فشاهدوه أولاد عمومتي وأولاد الحي الاخرين ولكني كنت ملتهيا بلم الحجارة من قارعة الطريق، فتسمرت في مكاني من الخوف .وإذ بصديقتي التي لم تتم عامها الثاني بعد تجري من الرصيف الأيمن تحاول الوصول إلى الرصيف الايسر . فدهسها الشاب وبطئت من سرعته، وأصبحت تناضل وتنازع الموت بقفزات واستدارتٍ في الهواء .

في ذلك الشهر، كنت كلما وضعت رأسي على الوسادة محاولا النوم دب في تفكيري ذلك المشهد . وبعد شدٍ وشذبٍ مع النوم كنت أنام عندما يسطع أول ضوء الفجر .إضطراب نوم ، خوف من الفقد ، بكاء على قبرها ، لم تخرج أثار الدم من أظافري إلّا بعد أربعين يوم..( رغم استحمام يوما في ذلك الدهر ) .

بعد تلك الحادثة لم أكون صداقة مع أي قط/ة خوفا من الفقد ، حتى بلغت السابعة عشر ، وحتى أتى ذلك اليوم الذي كنت فيه عائدا إلى المنزل تائها كأنني أرضٌ مشتعلة من الشوق إلى حبيبتي ورفيقة دربي ياسمينتي ، فتحت باب المنزل بهدوء مثقلا حركتي ، فإذا بي أحس بشيء عند قدمي كان قط عمي الأصغر هاربا من فسحته على غير العادة . وعلى غير عادتي التي اعتدت عليها بعد حادثتي في صغري ،جلست بجانبه اداعبه وأمسح بباطن كفي على رأسه. تاهت عيني محدقة في الفراغ ،وبدأ لساني بالتحرك على وقع كلمات لا أعرف مصدرها، مستمرا بمداعبته وكلما زدت في هدوء لمساتي وحركاتي زاد هدوءه واستكنانه . تلت الدمعة تلو الأخرى بدون توقف

عن الكلام حتى لامست دمعةً من دمعاتي خد القط ( Turgut ) فأحسست به متسمراً في حضني ورفع نفسه على قوائمه وتعلق بي واضعا يديه على صدري ورجليه بقيا على فخدي .فأصبحنا وجها لوجه و أصبح ينثر الدمع يمنة ويسرى ( أو هكذا هيأ لي )ففاض الدمع على خديّ وحضنته وأحسست بأنفاسه على رقبتي .

يتبع....