زيارة الصالحين الأموات بغرض التبرك: رؤية إسلامية

زيارة القبور من الأعمال التي حث عليها الإسلام لما فيها من العبرة وتذكير بالموت، وهو أمر مستحب شرعًا وفق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" (رواه مسلم). لكن هناك ضوابط وأحكام تحكم زيارة القبور، خاصة إذا كان الغرض منها التبرك بالأموات أو طلب البركة منهم.

المفهوم الشرعي للتبرك

التبرك هو طلب البركة، وهي الخير والنماء والزيادة، وهو أمر لا يُطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، فهو مصدر البركة كلها. أما طلب البركة من مخلوق، فله ضوابط:

تبرك جائز مشروع:

كطلب البركة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فقد كان الصحابة يتبركون بشعره وريقه وثيابه بإذنه، لأن الله أودع فيه البركة.

تبرك غير مشروع:

طلب البركة من الأموات أو الأشياء دون دليل شرعي هو أمر مخالف للتوحيد، لأن البركة لا تأتي من مخلوق بعد موته، وإنما تُطلب من الله وحده.

حكم زيارة الصالحين الأموات بغرض التبرك

زيارة قبور الصالحين بهدف العبرة والدعاء لهم عمل مشروع ومستحب، ولكن إن كان الغرض هو التبرك بهم أو طلب البركة من قبورهم أو معتقدًا أنهم مصدر للخير والنفع، فهذا لا يجوز، وذلك للأسباب التالية:

1-  تعارضه مع التوحيد:

الإسلام يقوم على توحيد الله، فلا يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة، كالاستغاثة أو طلب البركة، لغير الله. قال الله تعالى:

{وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا} (الجن: 18).

2-  منع الغلو في الصالحين:

النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الغلو في الصالحين، لأنه قد يؤدي إلى الشرك، كما حدث مع أقوام سابقين مثل قوم نوح الذين عبدوا الصالحين بعد موتهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله" (رواه البخاري).

3-  عدم وجود دليل شرعي:

لم يرد في الشرع أن التبرك بقبور الصالحين أو زيارتها بغرض طلب البركة عمل مشروع. النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يزورون القبور للعبرة والدعاء للأموات، وليس للتبرك.

ما يجوز في زيارة القبور

1-  الدعاء للميت:

الدعاء بالرحمة والمغفرة هو الغاية الأساسية من زيارة القبور، وهو ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

2-  العبرة والتذكير بالآخرة:

القبور تذكر الإنسان بفناء الدنيا وبالاستعداد للآخرة.

3-  السلام على الأموات:

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل بقوله:

"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" (رواه مسلم).

ما لا يجوز في زيارة القبور

1-  الطواف حول القبور:

الطواف عبادة لا تجوز إلا حول الكعبة، فمن فعل ذلك حول القبور فقد وقع في البدعة.

2-  دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم:

طلب الحاجات من الأموات أو الاستغاثة بهم شرك بالله، لأنه صرف للعبادة لغيره.

3-  التمسح بالقبور أو تقبيلها:

هذه الأفعال لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وهي بدعة مرفوضة.

خاتمة

زيارة القبور سنة محمودة لتذكر الآخرة والدعاء للأموات، لكنها تصبح مخالفة للشريعة إذا صاحبتها ممارسات بدعية كطلب البركة من الأموات أو الطواف بقبورهم. يجب على المسلم أن يتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في التعامل مع القبور، محافظًا على صفاء التوحيد، لأن البركة والخير والنفع لا تأتي إلا من الله وحده.