تأثير هرمونات الأنثى على العبادة والعزيمة في الطاعة: رؤية إسلامية وحلول
مقدمة
خلق الله الإنسان وميّزه بجسدٍ له نظامٌ دقيقٌ يتحكم في وظائفه وأدائه، ومن ذلك الهرمونات التي تؤثر على الصحة النفسية والجسدية. وتعد الهرمونات الأنثوية – مثل الإستروجين والبروجستيرون – عاملًا أساسيًا في تحديد مزاج المرأة وحالتها البدنية، مما قد يؤثر على همّتها في العبادة، وعزيمتها على الطاعة.
وهنا يأتي السؤال: كيف تنظر الشريعة الإسلامية لهذه التغيرات الطبيعية؟ وما الحلول التي تساعد المرأة على تجاوز الفتور في الطاعة بسبب هذه التقلبات؟
أولًا: كيف تؤثر هرمونات الأنثى على العبادة والعزيمة؟
تمر المرأة بمراحل مختلفة تؤثر على استقرار هرموناتها، وأبرز هذه المراحل:
الدورة الشهرية:
قد تسبب تغيرات هرمونية مثل انخفاض الإستروجين تقلبات مزاجية، تعبًا، أو حتى اكتئابًا خفيفًا.
الشعور بالإرهاق والكسل قد يجعل المرأة أقل نشاطًا في الطاعات.
منع الصلاة والصيام في هذه الفترة قد يولد شعورًا بالبعد عن الله عند بعض النساء.
فترة الحمل:
ارتفاع مستوى الهرمونات قد يزيد من الحساسية النفسية أو الإرهاق الجسدي.
مشاعر القلق والتوتر قد تؤثر على التركيز في العبادات.
مرحلة ما بعد الولادة (النفاس):
انخفاض مفاجئ في الإستروجين قد يؤدي إلى حالة من "كآبة ما بعد الولادة".
التعب الشديد والسهر مع الطفل قد يؤثر على الالتزام بالعبادات.
سن اليأس (انقطاع الطمث):
تغيرات الهرمونات تؤثر على الطاقة النفسية والجسدية.
البعض قد يشعر بالفراغ أو فقدان الدافع للعبادة بعد انتهاء مسؤوليات الأمومة.
ثانيًا: كيف تعامل الإسلام مع هذا الأمر؟
الرحمة والتيسير في التكاليف الشرعية
الإسلام لم يفرض عبادةً فوق الطاقة، بل راعى الفروق الجسدية والنفسية بين الأفراد، قال الله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286).
أجاز الشرع ترك الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، مراعاةً للحالة الجسدية والنفسية للمرأة.
الثواب مستمر حتى في حال العذر
إذا كانت المرأة معتادة على القيام بطاعة معينة، ثم منعتها ظروفها الطبيعية، فإن أجرها مستمر، كما قال النبي ﷺ: "إذا مرض العبد أو سافر، كُتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" (رواه البخاري).
الموازنة بين الواجبات الدنيوية والعبادات
الإسلام يدعو إلى التوازن وعدم تحميل النفس فوق طاقتها، كما قال النبي ﷺ: "اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ" (رواه البخاري ومسلم).
ثالثًا: حلول عملية للحفاظ على العزيمة في الطاعة رغم تقلبات الهرمونات
التنوع في العبادات
عند عدم القدرة على الصلاة والصيام، يمكن تعويض ذلك بـ الذكر، الدعاء، الاستغفار، تلاوة القرآن، أو الصدقة.
التفقه في الدين وسماع الدروس الإسلامية يساعد في تعزيز الروحانية دون جهدٍ بدني كبير.
تنظيم الوقت والطاقة
الاستفادة من فترات النشاط الهرموني في أداء العبادات التي تحتاج إلى طاقة أكبر مثل قيام الليل أو الصيام.
في أيام الإرهاق، يمكن التركيز على العبادات التي لا تحتاج إلى جهد بدني كبير، مثل الذكر والدعاء.
الاعتناء بالصحة الجسدية والنفسية
اتباع نظام غذائي متوازن يساعد على تقليل تقلبات المزاج.
ممارسة الرياضة المعتدلة تحسن التوازن الهرموني وتزيد النشاط.
أخذ قسطٍ كافٍ من الراحة يساعد على تجنب الشعور بالتعب الدائم.
مجاهدة النفس والصبر
قد تمر المرأة بفترات فتور إيماني، ولكن عليها ألا تستسلم لهذا الشعور، بل تحاول الاستمرار ولو بأقل القليل.
قال النبي ﷺ: "إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ" (رواه أحمد وصححه الألباني).
الاحتساب واستحضار النية
حتى الأعمال اليومية مثل رعاية الأطفال، والقيام بشؤون المنزل، يمكن تحويلها إلى عبادة بالنية الصالحة، فكل جهد مبذول في سبيل رضا الله يؤجر عليه المسلم.
الخاتمة
المرأة قد تمر بتقلبات نفسية وجسدية بسبب الهرمونات، وهذا قد يؤثر على عزيمتها في الطاعة. لكن الإسلام جاء رحيمًا وراعى هذه الفطرة، فأجاز التخفيف في بعض العبادات، وأبقى الأجر مستمرًا حتى في حال العذر.
والحل يكمن في التنوع في العبادات، الاعتناء بالصحة، التوازن في الطاعة، والصبر على الفتور الإيماني. فالمهم أن تبقى العلاقة بالله مستمرة، ولو بأبسط العبادات. وكما قال النبي ﷺ: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" (رواه البخاري ومسلم).
نسأل الله أن يرزقنا الثبات والعزيمة على الطاعة، وأن يبارك في أوقاتنا وجهودنا، ويجعلنا من المقبولين عنده