عزيزتي رين،

تحيةٌ طَيِّبَةٌ وَبَعْد.

لَقَدْ رَأَيْتُ تِلْكَ العَجُوزَ مَرَّةً أُخْرَى، دَائِمًا مَا أَغُوصُ فِي مَلَامِحِهَا الطَّيِّبَةِ. اليَوْمَ غَالَبَتْنِي نَفْسِي، وَذَهَبْتُ إِلَيْهَا فِي خُطُواتٍ ثَقِيلَةٍ. خَضَعْتُ لِرَغْبَتِي المُلِحَّةِ فِي التَّحَدُّثِ مَعَهَا. لِأَوَّلِ مَرَّةٍ يَا رين تُحَرِّكُنِي عَاطِفَتِي لِلإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ مَا. بِتَوَتُّرٍ قُلْتُ:

تُشْبِهِينَ جَدَّتِي كَثِيرًا، أَرْجُو أَلَّا تُحَاوِطَكِ الغَرَابَةُ حَوْلَ حَدِيثِي مَعَكِ، وَلَكِنِّي أَرَاكِ دَائِمًا جَالِسَةً هُنَا. لِأَكُونَ صَادِقَةً مَعَكِ، أَشْعُرُ بِرَاحَةٍ غَرِيبَةٍ عِنْدَ رُؤْيَتِكِ. لَا أَعْلَمُ إِنْ كَانَ مَا بِدَاخِلِي تِجَاهَكِ نَابِعًا مِنْ كَوْنِكِ ضِمْنَ وتِيرَةِ الجَدَّاتِ، أَمْ أَنَّ مَشَاعِرِي هَذِهِ نَابِعَةٌ مِنْ أَثَرِ مَلَامِحِكِ عَلَى قَلْبِي؟ الجَسَدُ النَّحِيلُ، وَالوَجْهُ الطَّيِّبُ الجَمِيلُ، وَعَيْنَاكِ تَحْمِلُ مِنَ الحَنَانِ مَا لَا يَسَعُ لِلكَوْنِ اِتِّسَاعُهُ. تُذَكِّرِينِي بِجَدَّتِي كَثِيرًا.

هَذَا مَا قُلْتُهُ لَهَا، وَلَكِنْ مَا يُؤْلِمُنِي أَنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ سَمَاعَهُ يَا رين. لَقَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَمِينِ المَكْتَبَةِ الَّتِي تَجْلِسُ دَائِمًا أَمَامَهَا أَنَّهَا صَمَّاءُ لَا تَسْمَعُ. عَلَى أَيِّ حَالٍ، لَا يَهُمُّ. أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ نَفَحَاتُ الحُبِّ الَّتِي أَحْمِلُهَا لَهَا اِنْبَعَثَتْ مِنِّي دَاخِلَ جَوْفِ قَلْبِهَا، وَأَنْ تَكُونَ رَأَتْ فِي عَيْنَيَّ مَا أَحْمِلُهُ لَهَا مِنْ حَنَانٍ.

أَتَعْلَمِين؟ عِنْدَمَا جَلَسْتُ بِجِوَارِهَا، كَانَتْ عَيْنَاهَا مُبْتَسِمَةً كَثِيرًا، وَقَامَتْ بِالتَّرْبِيتِ عَلَى رَأْسِي، مِمَّا أَشْعَرَنِي بِدِفْءٍ كَبِيرٍ. لِأَوَّلِ مَرَّةٍ مُنْذُ فَقَدْتُ جَدَّتِي، تَنْحَصِرُ غَايَتِي فِي ضَمِّهَا بِشِدَّةٍ. رَأَيْتُ اليَوْمَ كِتَابًا يَحْمِلُ عُنْوَانَهُ كَلِمَةَ "أُمَّة". ظَلِلْتُ أَتَسَاءَلُ: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ اِمْرَأَةٌ بِمَثَابَةِ أُمَّة؟ سَطَعَ فِي ذِهْنِي مَشَاهِدُ حَنَانِ الأُمَّهَاتِ وَحِضْنِ وَحُبِّ الجَدَّاتِ، وَسَعَةِ صَدْرِ الأَخَوَاتِ، لِأَقُولَ بِثِقَةٍ تَامَّةٍ: حُرُوفُ كَلِمَةِ "أُمَّة" نَبَتَتْ مِنْ جُذُورِ الفَتَيَاتِ الصَّالِحَاتِ.

أَتَمَنَّى أَلَّا تُزْعِجَكِ رِسَالَتِي المُكتَظَّةُ بِالحَدِيثِ. أَعِدُكِ فِي مِرْسَالٍ آخَرَ سَأَحْكِي لَكِ عَنْ تِلْكَ الغَايَةِ الكُبْرَى الَّتِي تَلْتَحِفُ بِقَلْبِي عِنْدَ رُؤْيَةِ القِطَّةِ القَاطِنَةِ خَلْفَ شَارِعِنَا الرَّئِيسِيِّ. مَعَ خَالِصِ حُبِّي.

#فاطمة_شجيع