الكاتبة: أميرة عبادي
يوسُف...
"قمت حملت الكاميرا عشان أوثق الإصابة اللي تحت التلة اللي انا فوقها، فجأة محسيتش برجلي الثنتين، ووقعت ع الارض أنا والكاميرا"
قال يوسف هذه العبارة بتنهيدة عميقة بينت كمية الألم الذي من الصعب أن يشفى...
"أنا إسمي يوسف الكرنز مصور صحفي فلسطيني من غزة تحديدا من مخيم البريج" هكذا عرف عن نفسه يوسف بفخر وبعينان تلمعان
بتاريخ 30-3-2018 يوم الارض، توجه الشاب يوسف الى المسجد ليؤدي صلاة الجمعة، ويومها بدأ أول يوم من مسيرات العودة الكبرى في غزة.
قال يوسف:"بعد صلاة الجمعة جلست أعلى تلة كي أكشف المسيرة، وأقوم بالتصوير ك واجبي كصحفي فلسطيني، وفي ذلك الوقت اصيب شاب امامي والتقطت هذه الصور، وبعد برهة من الوقت أصيب شاب اخر أسفل التة التي كنت عليها، وهنا حملت الكاميرا لتوثيق هذه الاصابة، وفي هذه اللحظة بدأ كل شيء...."
كانت هذه اللحظة التي غيرت كل حياة يوسف، لحظة مدتها الثواني، قلبت كل حياته، كيف يمكن لحدث لم يستغرق الدقيقة أن يغير حياة كاملة؟
يقول يوسف: "في تلك اللحظة لم أشعر برجلي، ووقعت على الارض، وأتى الاسعاف واخذني، لم أشعر بشيء، ولم يخطر على بالي أنه في تلك اللحظة حياتي ستنقلب وسأفقد جزء مني للأبد"
ويضيف:" شعرت بالاسعاف أن شيء مني مفقود، وكانت الكاميرا مفقودة، ولا أعلم أين هي او مع من الى اليوم"
في تلك الاثناء تم نقل الجريح يوسف الى مستشفى الأقصى، وكان بحاجة الى عملية مستعجلة، وبسبب قلة الامكانيات المتاحة لاجراء العملية، تم نقله الى مستشفى الشفا، حيث تم اجراءله العملية التي بلغت مدتها ستة عشر ساعة.
وبعد انتهاء العملية مكث يوسف في العناية المكثفة ما يقارب السبع ايام، وبعد نقله الى قسم الجراحة، أخبر الطبيب والد يوسف بأنه اما ستنقل ابنك الى "الضفة" ام غدا صباحا سنقوم ببتر قدم ابنك اليسرى.....
وهنا كان القرار صعب على الوالد، ولكن التنقل بين غزة والضفة الغربية ليس بهذه السهولة، لذلك حل الصباح، وتم بتر قدم يوسف اليسرى ودفنت في غزة.
يقول يوسف:" بعد فترة قصيرة استطعت الخروج من غزة الى الضفة الغربية، وتوجهت الى مستشفى الاستشاري كي انقذ رجلي اليمنى"
وأضاف:" أنا الان امكث في الضفة الغربية، واتعالج، ولكنني أشعر أنني أعيش في وهم، لا يوجد حقيقة لكل شيء، والبيت الذي أسكنه، وكل شيء من حولي وهم، ولكن الشيء الحقيقي هو المخيمات، ومعاناة المخيمات، ووجود الاحتلال"
استطاع يوسف التعايش مع قدم واحدة، واستبدل القدم بالعدسة التي ضحى بقدمه من أجل الحقيقة وتوثيق كل المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات، وكانت ضريبة الوطن والحقيقة قدمه.
يقول يوسف:" عندما أقوم بشراء حذاء، فإنني أرمي الفدة اليسرى قبل وصولي الى المنزل" قال هذه العبارة بنوع من السخرية، بطريقة المضحك المبكي.
وبكمية الألم الذي رسمت على ملامح يوسف، الا أن بريق عيناه اللامع ونظرته الحادة تعطي الامل والقوة والارادة.
ويضيف في النهاية:" أنا والمخيمات منشبه بعض، أنا بفقد غزة، وجسمي بفقد رجلي المدفونة بغزة، والمخيم بفقد الوطن".....
التعليقات