انها المرة الاولى التي اشارك فيها بهذا المجتمع أرجو منكم ان تفيدوني بآرائكم
.............................................
بقيت مدة ليست بالقصيرةِ مطلقاً، أنتظر تحت شمس قاسية كفقد مرغم عليه أنت، أريد لو يمر أيً من باصات المواصلات التي تقيني هذه القسوة وأصل لمبتغاي،
جلست على المقعد المهترئ الموجود في الموقف، اثناء حديث لم أعتقد أنه سينتهي بيني وبين نفسي، لم يبق أي موضوع لم أتسائل عنه ولم أفتش عنه مع نفسي،
من قبل لم يخطر لي كيف يمكن لانسان أن يتحمل الصمت فترة طويلة، الفترة الطويلة التي اقصدها هي خمس دقائق ولتمتد الى نصف ساعة، ما جربت الصمت لأيام، ماعرفت أن من لم يصمت لم يعرف نفسه، ولم يفقد عقله أيضاً.
تمنيت عندما وصلت بالنقاش الممتد المتشعب المبهم لو أن أي شيء يخرجني من تلك الهوة العميقة والاسئلة الموجعة صدقاً،
من يتحدثون لأنفسهم ربما فشلت كل محاولاتهم لأن يجدوا من يتكلمون معه كما أنفسهم، أو أنهم يعانون مرضاً ما وليكن وحدة لا طائل منها ولا مخرج، من لم يذق متعة الصمت والاحادسث الجانبية مع النفس كعابر لا تخجل من البوح له،
صادفت تلك اللحظة ربما لحظة إجابة، إذ جَلست بجواري على ذات المقعد، إمراة لم أستطع تبين عمرها أنا التي أجامل غالباً في عمر من يسألونني إلا أن الجواب داخلي قريب وربما ذاته الحقيقي، تلك الإبتسامة المرسومة على وجه عابر, وكل الوجوه عابرة الا العالقة في الذاكرة كندب لجرح قديم، وجدت إبتسامتها وكأنها منحوتة كما هي من أصل خلقتها الأولى، وشيءٌ من الحزن في عينيها لم أتبين معناه إلا لاحقاً، ابتسامة مشرقة، وصوت لطيف جداً كنسمة ربيعية، انتظرنا فترة لابأس بها، ونحن نتساير ونتبادل أطراف الحديث، أو هي التي كانت تبادل صمتي أطراف الحديث،وتدخلني أحاديث وتفاصيل من روحها، لم أكن أنا إلا المستمع الوحيد في كل تلك الوعكة التي تعرضت لها أمام غريب، ذلك الغريب الذي نبحث عنه جميعنا، من يمتلك تجاعيد زمن تحرم عليه الكلام، أو يحمل تقاسيم شيء ما تجعل الكلام مكلفاً أكثر من الصمت، الغريب الذي كنت انا أبحث عنه، ما كنت أود أن أكونه!!
اقترحت هي بعدما فَقدت الأمل أو الصبرعلى الإنتظار لسبب لم أفهمه إلا لاحقاً أيضاً، أن نستقل سيارة أجرةٍ بدلاً من المواصلات، وتوفير ما يقارب الثلاث أو أربع أضعاف، لم أستطع أن أخبرها أني لا أملك إلا مايكفي ذهاباً وإياباً في المواصلات العامة فقط !!
لم يكن لي لدي خيار أصرت كثيراً لم أدرِ لم كل هذا الفائض من الحنان تجاهي، انتابني الخوف لم أتعود ربما على كل هذا الإفراط في المشاعر منذ مدة طويلة، لم أتعود في مجتمع يعاني مجاعة في الحب والمشاعر، يعاني فواجع أكبر من أن يتطرق لها هذا الكون المشغول بالعلم !!
جلست أنا وجلست هي بجواري، وبدأت الأسئلة، وكأنها استطاعت أن تنتبه أنها تكلمت عن أشياء لاتعنيني، ولم تسألني حتى إن كان في داخل رأسي متسع من المكان لمزيد من كل هذا الكلام أو البوح ..
كذبت عليها بالرغم من صدقها، أنا لم أكن طالبة في الجامعة، ولم أدخلها حتى، ولم يخطر لي مطلقاً أني سأجيب في يوم ما على سؤالٍ يقول اذا ما كنت طالبة في الجامعة وماهو تخصصي بهذه الاجابة ,, لكني أجبت .
واكتشفت أن زوجها توفي منذة فترة، صدمتني هذه الإجابة حد التبلكم والتعثر بالكلمات والاختناق بدمعة لم يكن لها أي صلة بكل الموضوع، لكنه البكاء يختنق ويختنق ويختنق حتى يظهر في موقف لا تحسد عليه، ليصبح أشد حرجاً من الضحك ! إنه سبب لمحة الحزن في تلك العينين اللتين أثق تماماً أنها قبل عهد من الزمن كانتا فاتنتين ..
كيف وأنت مازلتِ ترتدين هذا الخاتم، كيف يمكن لحلقة من ذهب أن تحكي عمراً، سرٌ لم أدركه بعد، نوع ربما من الصمت الذي يحكي الكثير، هل تصمت الاشياء أيضاً؟؟!
لا أدري، ولكن الأوجب أن أترك هذه الاسئلة وأنتبه لما تقوله، إنها تمتحنني في كل ما تقوله ويكأنها تريدني أن أغرق معها في نصفِ ساعةٍ بعُمرها الذي مرت به !!
وأدركت سر استعجالها وتلك البسمة، ونسيت أن أذكر أنها كانت تحمل أكياساً تثقل على رجل .. عرضت عليها مراراً أن أساعدها بحملها لكنها رفضت، فقد أردت بعد أن جُرحت إنسانيتي من طرف آخر لم أجرح منه من قبل أن أتدارك تقصيري بعد أن تكفلت هي بالدفع للسائق .
كانت تحمل في تلك الأكياس سعادة مسروقة من تعب أقدامها وعرق تصبب عليها من كل مكان، ملابس العيد لأطفال لم يتبق لهم إلا هذه الام, رائحة الحنان في هذه الأرض، أرادت أن تتكفل عذاب سعادةِ أبنائها لآخر قطرةٍ من عرق ولآخر تعب،
الأم !! هو سياقٌ به حديثٌ لا ينتهي، موضوعٌ لا تمل الكلمات من الاصتفاف خلف مسماه، ولا تفقد التشابيه والأساليبُ الأدبية رونقها عندما تكون في لقاه .
كانت في آخر حديثٍ تكلمني وتكلمني وأنا أحدث نفسي وأشرح لها، هل أصبحت الاحاديث مملة لهذه الدرجة أم أنها الروح عندما تسأمها أو ربما تفتقدها يصبح فهمها صعباً !!
سلاماً حارا كان الذي أنهت به لقائنا ذاك، حسناً ها أنا قد بقيت وحيدةً، ربما لم أبق بل عدت لما أنا عليه من البداية، لقد حاولت أن أسابق قدميها التي أجزم أنهما كانتا تركضان لا تمشيان ولكني ما استطعت أنا المثقلة بتلك الاحاديث اللعينة التي ما برحت تفارقني الايام الماضية، أية أيام إنها شهور ، ويح الأيام كيف تمر، ما استطعت ان أسبقها أو ربما آثرت أن تسبقني هي، من المعيب أن تدير ظهرك لشخص تبسم لك على الأقل ودفع عنك.
وغابت عن ناظري، لكنها ربما لم تدرك تلك الأحاجي التي تركتني أعانيها وكأنه كان ينقصني سؤال آخر لأغرق أكثر فأكثر ..
التفت الى وجهتي، بقيت لدقيقة أبحث عن وجهتي بين أكوام الأسئلة والتفاهات والاحاديث التي تجري داخلي، حتى وجدتها، كان علي أن أقابل أحد الاصدقاء لكي أعيد له كتباً قد استعرتها، أنا التي كانت ترفض ألف مرة أن تعير لأحدهم كتاباً لها، دارت الايام عليها لتستعير !!
حتى بمثل هذه تدور الأيام .!!
أبحث في حقيبتي الكبيرة جداً، لا أدري لم في ذلك الوقت أثناء بحثنا عن الحب نجد كل شيء عداه، وأثناء بحثنا عن شيء معين نجد كل ما سواه، لا تفسير هنا الا أن الحياة تحب أن تهبنا ما لا نبحث عنه.
وجدت آلتي الزمانية والمكانية حتى، وجدت سماعاتِ الهاتف الخاصةِ بي، أوه .. كم أود لو أملك شيئا ما أستطيع أن أشكر من اخترعها، لا أملك الا أن أرتديها و أغرق مع موسيقاي وأصوات أهواها لألف سبب أغرق معهم جميعا في مدينتي الفاضلة بعيداً جداً عن مدينة إبن خلدون، عن تفاصيلها المستحيلة الا في الجنة، عن تقسيماتها المريبة التي تحاشى فيها لأبعد حد قدرة البشر وطبيعتهم البشرية بكل نزعاتها وميولها ..
كم مريح هذا العالم لو أن من الممكن أن يتم اقفال كل الاصوات، لا مشكلة في الرؤية، الأصوات هي القاتلة، هي التي تفتك بك، هي التي تعيدك ألف مرة لذكرى، لوقت مضى لن يعود وألف لعنة تحل عليه أيضاً من قال أني أريده أن يعود !!
أمشي خطوةً وخطوةً وخطوةً وخطوة ، زخاتٌ من أشعة الشمس تبللني، لكني لا أكترث, أنا سعيدة الآن بعالمي، يالله كيف يستطيع الإنسان أن يغير مزاجه سلكان نحاسيان و ملف موسيقي .
أمشي ما يقارب انتهاء المقطوعة التي أسمعها، ما يقارب العشرين دقيقة، أحمل الكتب، أضمها إلي، أشد عليها، لم أنتبه أني أشد بهذه القوة، إلا بعد أن توقفت عن الاحساس بيدي، كم تغريني الكتب، كم تسعدني تلك الأوراق، شيء من العشق الخفي، وأشياء من الهوس والجنون والرغبة !!
أقدم ساعتي عن الموعد خمس دقائق، أكره التأخر في المواعيد، أمقتها جداً، كم من الوقت ينبغي لي أن أنتظر، ولكني مضطرة على الانتظار، أنا التي إحترقت حتى أخرها شوقاً للكتب التي تمشي في طريقها على يد صديقٍ قادمةً إلي، هل يا ترى هي بنفس شوقي إليها !؟
أثق أن الكتب تشتاق، تبادلك الأشواق، ولكنها غريبة عني لا أعرفها، هل يمكن لك أن تشتاقَ غريباً لم تره، لم تشعره، ولم تلامسه، ربما هي أشواق لغائبين، يشبهون شيئاً نملكه، إعتدنا الشوق له، ولكن الشوق لا يمكن اعتياده، انه يأتيك كل مرةً بشكلٍ من الاشكال وبوجه من الأوجه .
ألن تنتهي هذه الأحاديث، هل مقدر علي ذلك، أنا وحدي أم يوجد غيري، تأتيك أسئلة ملحّة تود لو توقف أي عابر يمر، هل تكابد أنت أيضا شيئا من هذا الذي أعانية، أنها البشرية وطبيعتها، كم يخف حملك عندما تدرك أنك لست انت من يقاسي، وأنك لست مركز هذا الكون، وأن كل هذه السبعة مليارات الا واحد الذي هو أنت جميعهم لا يكترثون لأمرك، أنت وحدك قبلت هذا أم لا، شئت أم أبيت.
من بعد خطوات أراه مسرعاً، حسنا ما هي الشتائم التي سانزلها عليك، كم لعنة يجب أن تحل عليك أنا التي أنتظر مقدار الوقت الذي قضيته في طريقي الى هنا غير تلك الخمس دقائق، ولكن سأرى في البداية عناوين الكتب هل سترحمك أم لا ..
-كنت عالقا في ازمة مواصلات، تأخرت متأسف انا ,,
لا مشكلة لا داعي للأسف، شفعت لك الكتب .
-ههههههههههه
سأبكيك في المرة القادمة إن تأخرت.
-سوف لن آتي.
سوف آتي إلى بيتك أنا آخذ ما شئت من الكتب ولن أعيدها ولتعتبرها سرقة على العلن
" أبحث في نفسي عن الحجة التي سأقولها لأرفض عرض الغداء القادم "
-لكي أكفر عن تأخري، أريد أن أتناول معك غداء اليوم، يوجد مطعم يجيد جعل الوقت أخف وطأة ..
لكنني مشغولة ولدي موعد آخر
-لن يطول الوقت
لا أستطيع
-ولكني أشتهي الحديث معك
ومنذ متى .!
-مثير هو الحديث معك
إقرأ ستجد أحاديثً أكثر اثارةً ومتعة، أنا لا أجيد الا الصمت.
" وألمح في عينيه شيء من أسى، شيء لا يفسر أو ربما لم أستطع حتى اللحظة أن أفسره، لا مشكلة لدي وقت طويل لأفسره "
-كما تريدين، إستمتعي بالقراءة، ولكني أريد قبل ذهابك أن أخبركي شيئاً ..
كل الكتب التي أحضرتها لك من أول كتاب حتى الكتاب الخمسين هذا، ليست في مكتبتي ولم أبتع الكتب من قبل، إشتريتها فقط لاستطيع أن أراكي مرة بعد مرة، أدرك أن الكتب لا تنتهي، وبذا وجدت مواعيدَ لا تنتهي معك، وأحاديثَ مزدحمةً كنت أحبذ لو أني أعلق بها معكِ...
" ومضى .........."
لم يُبقِ لي مجالاً لأن أستوعب ما جرى، ولا أن أستوعب ما قال، يا الله
كيف أمكن لي أن أتجاهل كل تلك المدة الاشياء التي تقولها عيناه، كيف لم ألتفت لآلاف القصص التي يستشيرني بها بحجة أني أقرأ وأعرف، أنا الحمقاء الخرقاء تباً لكل شيء ..
كيف يمكن أن نمضي هذا العمر مع كل هذه النكسات والخيبات، ماعدت أدري هل أنا خيبته أم أنه هو خيبتي، أنا التي كنت أبحث عن حبي وعن كتبي وما أحب ونسيت في عجلة الزمن أن أمعن النظر لدقيقةٍ في هذا العالم الذي يصرخ ويقول أشياءً, هو نفسه الذي أستمع إلى موسيقاه, هو نفسه الذي صفعني اليوم صفعتين، هو نفسه الذي عراني تماماً حتى وجدت دموعي بلا غطاء، وجدت كرامتي تسيل ويدوس عليها العابرون إنها شيءٌ لا مرأيّ إنها شيءٌ محسوس، إنها تمتهن فقط..
إنها تبقى عاريةً فقط.. تستباح وفقط ..
ويحل الصمت الوخيم وأول خيطٍ للمساِ يعوي في السماء ودمعاتي لمّا تجف بعد .
........................................................................................................................
انتهى ...
التعليقات