الاكوان الموازية : الزهرة المقدسة و اللاوجود
الفصل الاول : ادراك
في قصتنا هذه سنرحل الى كون غريب قد يكون اقرب من الخيال ؛ كون يجمع بين الوجود و اللاوجود ، يتكامل احدهما ليصنع من اللاوجود – وجودا – عظيما يكتسح هذا الكون ، اطلق عليه ( الزهرة المقدسة و اللاوجود ) .
ارض مسطحة دائرية مغمورة بالمياه و في قاعها رمل كما رمل البحار على " الارض " ، و الماء كما هي هنالك ايضا ، و شمس تشبه شمسنا الى حد كبير تنير محيطها الواسع الذي تبلغ مساحته 7 اضعاف مساحة المحيطات الخمسة الارضية مجتمعة ؛ و المذهل انه في وسط الارض المسطحة زهرة صفراء اللون تنتهي اوراقها بالزهري ، تطفو فوق المياه بضعة سنتمرات ، و جذعها متصل بالارض ، فان جلست في مقامها فانك لن ترى سوى مساحات واسعة من المياه في كل الاتجاهات ، لا حياة قد تراها على هذه الارض ، و مياهها لا تتبخر ، و النتبة لا تذبل و لا تموت و تبقى تطفو و كان جذعها لا يرى الا عند لمسه ؛ و هل هناك من كائن حي يلمسه ؟ للاسف لم يكن .
المثير جدا ؛ انه حول هذه الزهرة المقدسة ، لم يكن هناك فقط الماء يسكن ، و الهدوء الصامت المطبق ربما يكون مخادعا للاعين ، بل كان هناك عالم كامل مجهول غير مرئي حولها ، ملايين من الكائنات التي تمارس نشاطاتها ، و ملايين اخرى من المعالم الغير معروفة ، تنتشر في الفراغ حول الزهرة و فوق سطح المياه الى عنان السماء .
هذا العالم الخفي الغير مرئي ، الزاخر بالحياة التي لا يمكن لمسها و لا تصورها و لا رؤيتها و لا معرفة اي شيء من تفاصيلها او تفاصيل كائناتها ، طريقة كلامهم او تواصلهم ، كيف يأكلون و كيف ينتقلون من مكان لاخر ، هل كانوا يتناولون الطعام مثلنا او بطريقة مجهولة ؟ ، هل كانت احجامهم كما حبة الفاصولياء او كما الذرة ؟ ، هل نظامهم كما نظامنا او غريب لدرجة لا يمكننا تصورها ؟! ، ملايين من الاسئلة التي لا نعرف عنها اي جواب ، بل يمكن اختصار الامر بجملة ( ليس كمثله شيء ) ؛ فهو عالم مجهول غير محسوس و ليس له اثر و لا يشبه اي شيء قد يخطر ببالك ، فهو ما اطلق عليه في هذا الكون ؛ و الذي يشكل نصفه : اللاوجود !
في هذا العالم ( اللاوجود ) ، وجد ان هناك كائنات – رغم اننا لا نعي ماهيتها - ، حاولت الوصول الى هويتها الحقيقة ؛ فهي ثلة صغيرة جدا من مجتمع هائل العدد ، يعد افرادها على الاصابع ، حاولوا الوصول الى حقيقة العالم و حقيقتهم ، ارادوا الوصول الى شيء هم انفسهم يظنون – انه ليس كمثله شيء – رغم انه غائس في فطرتهم الطفرية المليئة بالتشكيك و حب الفضول و الاكتشاف و الاجتهاد، و للاسف نحن نعلم عن ماذا كانوا يجهلونه ؛ و هو النصف المادي من حقيقتهم ، او بالاحرى هو : الوجود ( او كما اطلق عليه : عالم الزهرة المقدسة ، او العالم المادي ، او العالم المشابه لواقعنا كما هو على الارض ) .
هذه الزهرة " المقدسة " هي غريبة من نوعها ، فكان جذعها يربط الارض المسطحة من نهايته حتى " الكأس " ، و تتفرع منه جذور تربط شرق الارض بغربها ، و شمالها بجنوبها ، و بمختلف اقطارها ، و عدد وريقاتها 30 ، و عدد سبلاتها خمسا ، غريبة هي لدرجة ان لها كل هذه القوة ، و لكنها لو لم تكن هكذا لما اطلق عليها " المقدسة " .
اما هؤلاء الكائنات ، اللذين حاولوا الوصول الى الحقيقة ، او الجانب للاخر من العالم ، فكانوا يحالون بطريقة – لا نعرف ماهيتها بالطبع – و يفلشون ، حتى على مر العصور كان ينجح البعض ، و لكنه لا يعود مطلقا الى عالمه – المجهول – مع عائلته و حياته التي لا نعرف عنها اي شيء .
و لكننا في العالم المادي نرى ، عندما تصل تلك الكائنات الى ابواب الوجود ، كان الامر كضوء اصفر ساطع يظهر لهم ، ثم يتشكل لهم جسد الوجود الخاص بهم بعدما دخلوا اليه ، كانهم ولدوا من جديد ، ثم يختار لهم حسب صفاتهم االلاوجودية شكلهم و صوتهم و جنسهم و هيئتهم ، ثم يشعر الواحد منهم بانه التقط شيئا ، احس بال – الوجود – لاول مرة ؛ فكان اول ما يتلقطونه اولئك القلة القليلة هي " وريقة " من وريقات الزهرة الطافية ، ثم اذا ابصروا ، و رأوا الوجود لاول مرة ، تقع الكارثة ! .
كان كل واحد منهم يصعق لما يراه ، فيتجمد جسده و هو ظافر بالوريقة ، و بالطبع لا تستطيع ان تحمل ثقله بعد ان يغمى عليه ، فيسقط في المياه غارقا وحيدا ميتا ، ثم ينمو جذع الزهرة 10 سنتمترات لكل اضحية تقدم للارض ، و تكررت المأساة المؤلمة المتوقعة ، و للاسف هذه كانت نهاية ثلاثون " عابر " ؛ ثم 5 اخرين ، نصفهم من النساء و النصف الاخر من الذكور ، كما شاء الوجود .
لم يبقى للزهرة اي وريقات او سنيبلات ، و اصبحت ترتفع عن الماء 3 مترات تقريبا ، ثم حاول و بعد سنين او قرون من كل رحلة لعابر ، عابر جديد ، قد يكون الاوفر او الاتعس حظا ، فعندما اقترب لابواب الوجود ، و بدا بالاحساس المادي لاول مرة ، و تكونت هيئته الوجودية ، مسك بكأس الزهرة بقوة ، و فتح عينيه ، ثم صدم من هول الوجود ! و تجمد فورا ، و مات و هو معلق على جذع الزهرة ؛ و لكنه لم يكن كغيره ، فلم يغرق موتا كالاخرين ، و انما بقي معلقا مغشي عليه ، و المياه و اخوته اسفله .
بعد اربعين يوما و هو متجمد ، ترتعد السماء ثم تهطل الامطار المقدسة لتروي البحار ، كما هو الحال في دروتها الطبيعية هذه ، ثم تقوم هذه الامطار باحياءه من جديد ، فيستيقظ مرة اخرى ، و يصدم من هول ما يرى ، و تتسارع نبضات قلبه ، ثم يتجمد لحظيا ، ثم يدرك الحقيقة و يكاد يعتاد عليها ، فتعود له قوته ، و يتشبت بالزهرة ، و هو يتنفس بسرعة شديدة و خوف كبير ، ثم تبتلع الارض جميع المياه ، و يقصر جذع الزهرة الى متر واحد ، و يرمي نفسه على الارض ، ناظرا بالفراغ الساحق حوله ، و ملمس التراب اسفله ، و جثث اصدقاءه امامه ، بكل واحد منهم وريقة كانها اصبحت من جسدهم ، فقضى اليوم كله يحدق غير واع و لا مدرك بما يحدث حوله .
انتهى الفصل الاول
التعليقات