“المرأة..مشكلة صنعها الرجل!!”

كتب/ صالح عبده إسماعيل الآنسي

ذات مساء ، فوجئت على الوتس آب برسالة من شاب يمني ، يعمل حديثاً بالكويت ، لا أعرفه مسبقاً ، عثر على رقمي من إحدى المجموعات الأدبية ، ويبدو أنه كان يتابع مشاركاتي عليها بصمت ، بعد أن عرفني بنفسه ، أرسل لي بصورة ، وعلق عليها قائلاً :

” أريد رأيك في تعدد الثقافات في الدول العربية ، وهل نحن آثمون إن تعايشنا مع من حولنا من الثقافات؟! ، التي نعتبرها مخلة بالقيم والآداب ، وأتمنى توجيهك لي بهذا الشأن ، من فضلك ، الصورة من الواقع المعاش في دول الخليج ، كيف نحمي أنفسنا من هذا الغزو الفكري؟! ، لنا عادات وتقاليد ببلدنا تربينا وتعودنا عليها ، وعندما سافرنا للدول الأخرى تغيرت في حياتنا مفاهيم كثيرة ، لم نكن نعرفها من قبل ، لذا وجدنا من المهم أن تكونوا إلى جانبنا دائماً ، وتوجهونا إلى الطريق الصحيح ، لأني أعرف أنكم ناس أهل علم ، ومعرفة واسعة ، وتحبون الخير للجميع ”

فأجبته قائلاً :

” من وحي الصورة التي أرسلت ، فهمت ما ترمي إليه ، أقول لك : نعم … لم نعتد نحن كأبناء مجتمع يمني محافظ-تخرج المرأة فيه محجبة-على مشاهدة هكذا مشاهد منفتحة أمام أعيننا في الواقع ، وما كنا نشاهد مثل ذلك إلا على شاشات التلفزة ، ولذلك نشعر أحياناً -في بداية الأمر-بالخجل ، أكثر مِن مَن قد اعتادوا على ذلك ، وتماهوا معه ، من مواطني تلك البلدان والمقيمون فيها ، وكما قلت أن هذه الدول تعيش بها ثقافات متعددة ، المرأة بهذه الثقافات متحررة ، فكما هي تبدو بمنزلها ؛ تكون أيضاً بالشارع ، والعمل والتسوق والسفر ، لم يعد الأمر مجرد غزو فكري ، بل قد تم هذا الغزو ، وحقق أهدافه في البلدان العربية والإسلامية ، منذ مطلع القرن العشرين ، موجة تحرر المرأة القادمة من الغرب ، بدأت بإجتياح دول حوض البحر المتوسط-لبنان و سوريا-مصر- ليبيا-تونس -الجزائر -المغرب-ثم وصلت -العراق- الأردن-الكويت- ثم بعد ذلك دول الخليج في الثلاثة العقود الأخيرة ، بإستثناء المملكة العربية السعودية ، وسلطنة عُمان منها ، إذ تعد حتى الآن أكثر المجتمعات الخليجية التي لا زالت محافظة نوعاً ما ، لم يتبقى مجتمع عربي محافظ جداً سوى…المجتمع اليمني ، الأقل تأثراً بموجة تحرر المرأة ، والأقل تأثراً بالكثير من الثقافات الوافدة ، أعتاد اليمني الدارس بالخارج ، والعامل المقيم به ؛ أن يرى دوماً في كل مكان هناك ، مثل هذه المشاهد المألوفة لديهم ، ويعتادها مثلهم ، قد يكون له في غض بصره راحة من ما يشعر به من الخجل ، لكن على أن يكون ذلك بإعتدال ، أن لا يبالغ في غض بصره ، فقد يوقعه ذلك بمشاكل جمة ، في عمله أو مكان دراسته ؛ لإن عمله هناك أو دراسته يتطلبان منه التعامل مع كل تلك الثقافات ، بشكل أريحي وطبيعي ، محاولاً أن يعتاد مثل تلك المشاهد ، التي لعدم تعوده عليها ؛ يخجل من رؤيتها ، وأن يتحكم في مشاعره ، ويقلل مع الأيام من منسوب خجله منها ، حتى يعتادها كالغير ، المهم..أن لا يتعدى الخطوط الحمراء التي نهى الشرع عن تعديها وتجاوزها ، الدين يسر ، وليس عسر ، وهو لا يرضى بمضرة المسلم ، الذي ربما قد يخسر عمله ومصدر رزقه ، أو مستقبله ؛ إن أراد تطبيق تعاليمه بدقة متناهيه ، في هذا العصر ، وفي مجتمعات كهذه ، وهناك مفهوم فقهي يسمى “المصالح المرسلة” ، وهو يتلخص في فكرة أنه يجوز للمسلم أن يتعامل مع مختلف الثقافات ، والديانات والشعوب ، يشتري منهم ويبيع ، ويفيد ، ويستفيد من علومهم وتجاربهم ، و الإيجابي من ثقافاتهم ، على أن لا يتاثر بالجانب الذي لا يناسبه من تلك الثقافات ، أو يحاول أن يقلدها في نفسه أو أهله ، أو يدعو إلى العمل بها في مجتمعه “.

مشاعر الخجل التي تعتري الشباب ، القادمين لإول مرة ، من مجتمعات محافظة إلى مجتمعات منفتحة ، أراها أمر طبيعي ، وهي ظاهرة يعاني منها الكثير ، وتحتاج للدراسة والبحث ، ومثل هذا الشاب لا يلام ، واللوم هنا يجب أن يُوَجه لنهجنا كمجتمعات محافظة-مع ما لها من إيجابيات كثيرة لا تنكر-في أننا رسخنا بشدة في أذهان أجيالنا منذ الطفولة ، أن المرأة كلها عورة ، وأن مجرد إرسال نظرة عابرة فيها ، أو الحديث العفوي معها ، يعد عيب كبير وإثم ، وهذا ما رسخته فينا على الدوام فتاوى الغلو والتشدد ، التي ما حصدنا منها سوى التكفير والتطرف والفتن والدمار ، وأعتبرتها بذلك مشكلة ، ومعضلة ، وجعلتها في المجتمعات المحافظة كائن يشعر بالنقص ، وتشعر بالخوف من أن يلمحها أو يحدثها الرجل ، ويشعر الرجل المخلق بالمقابل ببالغ الحرج من التعاطي معها كزميلة في العمل ، أو كزبونة في المتجر ، بينما على العكس ؛ كرمها الإسلام ، ورفع من قدرها ، وأعتبرها من ثواب زوجها المؤمن العاجل في دنياه ، وشقيقة الرجال ، ووضع لها ولنا خطوط وقيود كبرى معروفة ، يجب أن لا يتعداها الطرفان ، كل ذلك بوسطية وإعتدال ، وعندما دخلت المرأة العالم الإفتراضي بمواقع التواصل ، عانت كثيراً من تداعيات هذه النظرة القاصرة إليها ، إما بحجرها ومنعها من ذلك من قبل الأهل ، أو بكثرة مضايقتها على الخاص ؛ لإعتقاد بعض مرضى النفوس ، أنها لا تريد سوى التسلية وتمضية الوقت مع الغير ، لإرضاء وإشباع رغباتها ونزواتها ، ونظرتهم لها على أنها جسد مشتهى ، وليست إنسانة ، لها قلب و شعور ، وأماني و أحلام ، وطموح وقدرات ومواهب ، وكيان مستقل ، مثل المخلقين الواعين الرائعين منهم تماماً ، هذه النظرة القاصرة والخاطئة في حق حواء ؛ هي التي جعلت الكثير من الأهل يحجرون عليها استخدام مواقع التواصل ، وهي التي حرمت الكثير من المبدعات-اليمنيات خصوصاً-والعربيات عموماً ، في كل المجالات ، من نشر إبداعهن بحرية تامة ، وبأسمائهن الحقيقية الشخصية مثل الرجل ، وهي التي …والتي …..الى آخر ما تعانيه المرأة من جراء ذلك ، وهي بحد ذاتها ظاهرة أخرى ، ينبغي ان تخصص لها مساحة واسعة من اهتمامات البحث ، والدراسة والنقاش ، للخروج بحلول ملموسة ومجزية للحد منها ، وبالتالي الحد من معاناة المرأة العربية المسلمة ، وأتذكر في هذا الصدد عنوان كتاب ، قرأته منذ فترة ، راق لي وجهة نظر كاتبه ، حول عدم صوابية نظرتنا القاصرة للمرأة في مجتمعاتنا العربية المسلمة ” المرأة مشكلة ….صنعها الرجل ” ، لنبيل فاروق، الذي ألمح فيه أن الشرع الحنيف ، لم يكن هو من صنع منها مشكلة ، ولكن أحلام الرجال تضيق.