بخصوص الترجمة اسمحوا لي أن أبدي رأيي بإيجاز وأرجو ألا أطيل..وإن أطلت فعذرا على الوقت الذي ستقضونه في مطالعة هذا النص:

الترجمة من ناحية عملية "ضرورة حتمية" لأنه حتى لو كنت تجيد تماما ثلاث لغات ستفوتك ستون أخرى.. والذي يجيد الفرنسية والعربية والأمازيغية مثلاً كيف سيقرأ الروايات التركية والفارسية المميزة ؟ أما إن كان هذا المدعي يقول لنا أنه يفضل قرائتها بالانجليزية والفرنسية دون العربية فإن كان هذا تفضيله الشخصيّ فهذا شأنه أما إن كان يريد أن يعمم هذا المبدأ على الناس كلها فهذا تعصب ولا حديث لنا معه.

الترجمة ليست درجة ثانية من الابداع بل هي ابداع أصيل بذاته إن تم باتقان فهو مماثل للأصل. ولأن الذين يتكلمون عن "الأصلي" لا يعرفون الأدب جيدا.. لأن الأفكار دوما مكررة لكن ما هو الجديد في الأدب هو (الصورة التي تأتي بها هذه الأفكار) وبما أنه لا جديد تحت الشمس منذ خط كاتب التوراة ذلك إلى يومنا هذا تبقى الكيفية والطريقة لتقديم الفكرة هي مقياس الأصالة.. ومن هنا عندما نسمع أن صامويل بيكيت، الحائز على جائزة نوبل، والذي يكتب العمل نفسه مرة بالإنكليزية، وأخرى بالفرنسية. إنه العمل نفسه بلغتين، إلا أن الأديب يصر على أن كل عـمل لا عـلاقة له بالآخر، بل هما عملان مستـقلان بلغتين مختلفتين. نقول إذن أن الترجمة عملية اثراء وشكل أصيل آخر للإبداع. أرجو ألا يفهم من حديثي أنه ضد قراءة الأصل، لا ضير أن تقرأ ما تسميه (أصلا) لأنه في الحقيقة انعكاس وصدى لأفكار لطالما تكررت..

سؤال فضولي:

والآن بما أنني سأختتم هذا النص سأسالكم سؤالا لطالما راودني. بما أننا متفقون تماما أن البشر كبشر لم يكونوا كلهم يتكلمون العربية على سبيل المثال سيدنا يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام. ولما نقول أنهما لم يكونا يتكلمان العربية (أيا كانت اللغة التي كانا يتكلمان بها فهذا ليس محل النقاش) لما نقرأ أقوالهما الحرفية في القرآن .. ينتابنا التساؤل التالي: هل هي ترجمة الهية لأقوالهما من لغتهما الأصلية ؟ إن كانت كذلك فهذا يجيب على ضرورة الترجمة وحتميتها وعدم ضرورة قراءة الأصل على الدوام. وإن لم تكن كذلك فما هي إذن ؟.