موضوع هذا المقال هو: حديثٌ حول الترجمة والمترجمين بين الماضي والحاضر.

لتلخيص المقال و عدم تشتيت فكرك في ثناياه جعلناه في نقاط تساؤلية نحاول و تحاول عزيزي القاريء أن نجيب عنها.

لماذا لم يواجه المترجمون الأوائل مشكلة في ترجمة المصطلحات الأجنبية للعربية؟

كمثال الخوارزمي و قرة بن ثابت والفارابي في أعقد مجالات العلم الفلسفة والمنطق. لا توجد حتى مسودات لاختيار الكلمات. الكلمات تنساب مباشرة مترجمة وكأنهم تمرسوا عليها لعقود. هذا ما حدث فعلاً لكن بيت الحكمة و موجة الترجمة وقتها كانت جديدة. لم نلاحظ -حسب اطلاعي- أي تضارب في الآراء في ترجمة المصطلحات أو المعركة حولها.

سأقترح أمرين للإجابة، هما:

  •  أن بيت الحكمة البغدادي المؤسس من قِبل المأمون لم يكن مجرد مكتبة بل “صالون أدبي تجري فيه المناقشات.”

ما نراه الآن في كتبهم هو زبدة تلك المناقشات، لهذا يوجد فيه الأحكام والعلمية. وفي الأقل النادر عدم الموضوعية لأن الكتب كانت تقرأ من كل الأطراف فتراجع مراراً وتكراراً.

  • أن من كان لا يعرف اللغات الأجنبية، مثلاً السريانية لم يتدخل فيما لا يعنيه. النحويون العرب وفي مناظرة مهمة ومشتهرة بين أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي (ذكرت في الإمتاع والمؤانسة كاملةً وسجلت لأنها كانت مناظرة مشهورة وقتها) لم يتدخل أبو سعد السيرافي عبقري النحو في الترجمة أبداً. بعض من يعرف الفارسية كالجاحظ ولما ترجم وتحدث عن بعض الألفاظ الفارسية والمعربة وتكلم فيها، لم يتدخل في لغات أخرى لا يعرفها. إذاً التخصص هو سبب آخر لهذه السهولة والانسيابية في الترجمة العربية في عهدها النيّر.

لو كنت درستَ ترجمة ، أو كنت هاوياً لها أو حتى محترفاً، فإنه من المؤكد أن فكرة أن الترجمة خيانة، والترجمة تحوير للنص ومشاكل الترجمة أو التعريب قد بلغت مسامعك أو لنقل قد صدّعت رأسك.

أمس في وقت متأخر من الليل كنت أشاهد حلقة عن الخوارزمي وإنجازاته في الرياضيات المعروفة، وحكوا ان الخوارزمي قابل الهنود الرياضياتيين و استفاد منهم، وبما أنني مهتم بالترجمة فإن النقطة التي أثارت اهتمامي هي الفكرة التالية:

أن العزيز الأمجد الخوارزمي ومن سبقوه من المترجمين  العرب لكُتب الهنود الرياضية لم يحتاروا أبداً ولم يترددوا ولم يكتب حتى مسودة في اختيار كلمة جيب للمرادف الهندي jīvā ذات الأصل السنسكريتي.

تقول الويكيبيديا أو تدّعي، لأن المقال لم يرد بمصادر دقيقة ولم يذكر حتى من هم أولئك المترجمون العرب الذي سبقوا الخوارزمي للترجمة لذا أعتقد -فيرأيي الشخصي- أنه هو من ترجمها. وتقول الويكي أيضاً أن اللفظة ترجمت إلى “جيبا” أول الأمر للعربية و هذا مجدداً خطأ إذ لا يرد في كتب العرب الرياضية هذا اللفظ.

دعنا هنا نفصّل أكثر في المقالة التي وردت على الويكيبيديا عن أصل التسمية.

تقول أن كلمة جيب أتت من جيبا. حتى نظرية التطور أقحموها في الترجمة بحجة أن هناك تطوراً لغوياً وثقافياً. إنني أرثي حقاً لمن كتب تلك المقالة.

أورد اقتباساً منها يقول:

ثم تحولت لاحقاً ربما صدفة إلى المعنى “جيب” والذي هو في العربية مرادف للكلمة اللاتينية الأصل sinus. هذا يعني أن الخطأ تكرر تاريخياً مرتين ليعيد المعنى الحقيقي.

أعتقد أن الخطأ التاريخي الحقيقي هو  أن تصدّق ما في هذه المقالة لكنه ليس حديثنا. المهم في الفكرة هو:

أن الخوارزمي أو لو تنازلنا وقلنا المترجمين العرب لم يترجموا أبداً jīvā الهندية إلى “جيبا” أولاً ثم ترجموها إلى “جيب” كتطور لغوي. بل ترجموها مباشرةً  لجيب لأنها أكثر عربية وأكثر موافقة للفهم العربي.

ومن هنا سبب اندهاشي وفخري بالخوارزمي في ترجمته للمصطلحات الرياضية الهندية:

  • لم يكن هناك احتيار أو كثرة اختيارات في الترجمة . ترجمة مصطلح واحد واضح الى آخر واتفقت عليه كل الكتب الرياضية العربية ومن أتى بعد الخوارزمي بما في ذلك كلمة الجبر .

  • البساطة والعروبة السارية في ترجمته بحيث انك تظن انه لا يمكن ان تبدل بغيرها بل ولا “يوجد ما أنسب منها كترجمة”.

  • لذا ومن هذين النقطتين يمكننا تعريف الترجمة الحقيقية بالأخص العلمية -في رأيي- كما يلي:

"أن تترجم الكلمة هي أن تجد لها مقابلاً في لغتك -سواءً كان مرادفاً أو تدخلها باسمها في اللغة- بحيث لا يمكن أن تجد بديلاً آخر يناسب ذوقياً وعملياً هذه الكلمة أكثر من الكلمة التي اخترتها أنت."

هذا يعني أن  وضعك للكلمة لا يعني ان عملية الترجمة انتهت بل تكون الترجمة كالنظرية العلمية. تجرب وتستعمل وتتذوق وتمس وتدخل في النقاش. ولهذا قلنا في الأول أن من أسباب تطورها المدهش في الزمن القصير في بيت الحكمة هو المناظرات والنقاش الذي حدث لا الكتب التي تم تأليفها فقط.

أرجو أن تكونوا قد استفدتم كما أستفدت، و أضع هنا مراجعة لمن أراد الاستزادة:

  • مناظرة السيرافي و بن متّى المنطقي -من أجمل وأروع وأمتع وألذ مناظرات العلم العربية مطلقاً- النص الكامل تجده في كتاب الامتاع والمؤانسة للتوحيدي.

  • الحداثة الممكنة: رضوى عاشور. كتاب حول إنجازات الشدياق. في بعض الفصول حديث عن مجهودة في الترجمة ونهجه فيها.

  • مقال حول مناظرة السيرافي وبن متّى. في الحوار المتمدن.

http://bit.ly/18cGRmw

المصدر : موقع مقالة.

http://bit.ly/1MsspEh