تحذير رقم 1: الموضوع يغصّ بحرق الأحداث، لا تقرأ أيّ كلمةٍ لو لم تكُن قد شاهدت السلسلتين بالفعل

تحذير رقم 2: الموضوع متحيّز جداً، لو لم يُعجِبْكَ فتلك مشكلتك!

كنتُ قد شاهدت النسخة القديمة من المُسلسل العظيم Fullmetal Alchemist منذ ما لا يقل عن خمس سنوات، وظللتُ لفترة طويلة أُفكّر بمتابعة السلسلة الجديدة (Brotherhood)، لكني كنتُ متخوّفاً من الأمر. الآن وبعد مُشاهدة النصف الأول منها، يُمكنني تأكيد مخاوفي كُلّها.. وسوف أعبّر عن هذه المخاوف ونتائجها بحريّة في موضوعي هذا.

ما هو الفارق الأساسي بين القصَّتين؟

قصَّة سلسلة "الخيميائي المعدني" الصَّادرة عام 2003 تختلفُ عن القصة الأصلية للمانغا، فبعد الحلقة العشرين تقريباً من المُسلسل تنفصل أحداثه عن أحداث المانغا بالكامل تقريباً، ومع أنَّ العناصر الأساسية في القصة تبقى مُشتركة، إلا أنَّ الاختلافات تُصبح جوهرية جداً. حدث هذا الاختلاف لأن مؤلِّفة المانغا، واسمها هيرومو آراكاوا، كانت لا تزال مُنهمكةً بتأليف القصَّة وقت صُدور أنمي عام 2003، وبالتالي فهي لم ترغب بأن يرى مُتابعو الأنمي نهاية قصَّتها قبل إتمامها، كما أنَّها لم تُمانع بتعديلات شركة إنتاج الأنمي على قصتها، بل رحَّبت بها ووجدتها ممتازة.

وأما برأيي الشخصي، فإنَّ الفارق الجوهري بين السلسلتين هو كالآتي:

  • أنمي 2003: رسوميات مُتوسّطة، مستوى فني رديء بالنسبة لمُسلسلات الأنمي الجديدة. مع ذلك، الإخراج ممتاز، والموسيقى هائلة، وأما القصة فأنا أقفُ عاجزاً عن الكلام أمامها.

  • أنمي 2009: رسوميات مُمتازة، هائلٌ فنياً، موسيقى متوسّطة. قصة مُراهقين..

باختصار، أنمي 2009 مبنيٌّ على اقتباسٍ حرفي لأحداث قصة طفولية سخيفة مُوجَّهة لمستوى أولاد المدرسة اسمها مانغا "الخيميائي المعدني"، وأما أنمي 2003 فقد أخذ هذه التفاهة وعدَّلها قليلاً لتتحوَّل إلى تُحفةٍ فنية بديعة.. ودعني أُبدي لك سبب هذه القناعة لديَّ بالمُقارنة بين بعض العناصر الجوهرية في السلسلتين.

الهيومنكلس

الهيومنكلس عنصرٌ جوهريٌّ جداً ُفي القصة، فهُم يؤلّفون 6 إلى 8 من الشخصيات الأساسية في الأنمي القديم والجديد، ويمثّلون - معاً - الجبهة الأساسية من الأعداء الذي يقفُون ضدَّ إدوارد وألفونسو إلريك.

  • أنمي 2003: الهيومنكلس هُم ناتجٌ غير مرغوبٍ به لمُحاولات التحويل البشري الفاشلة، تولد مشوّهة ثم تكتسب الحياة بشرب الماء الأحمر، وهو نفسه مكون حجر الفلاسفة.. إضافةُ مُبدعةٌ بحقّ! هذه الحقيقة لوحدها تقلبُ القصة رأساً على عقب. الهيومنكلس في هذه السلسلة أقوياءٌ جداً.. لكن انتظر، هُم ليسوا خالدين، بل لهُم نقطة ضعف. لو وُضعت بقربهم العظام التي صُنِعُوا منها فهُم يصبحون عاجزين (بهذه الطريقة ظلَّ غريد حبيساً تحت الأرض لمدة 130 عاماً)، هذه الحقيقة تجعلُ قتالهم معقولاً ومُمكناً جداً مُقارنة بالحاجة الغبية لقتلهم عدداً شبه لا نهائي من المرات، كما في السلسلة الجديدة. ليسَ ذلك فحسب، الإضافةُ الأكثر إبداعاً هي أنَّ الهيومنكلس عاجزون عن استعمال الخيمياء، ماذا يعني ذلك؟ أنَّهم لا يستطيعون صناعة حجر الفلاسفة بأنفسهم، بل يحتاجون لخداع خيميائيين بشر لصناعته لهم، كما تُوضّح لست لإدوارد في الحلقة رقم 21. ولماذا كلّ ذلك؟ لأنهم، هم أنفسهم، يرغبون بأن يكونوا بشريِّين. الأمرُ كله يصنعُ سلسلة منطقية مذهلة That fits together perfectly، لا يُمكنني التفكير بطريقةٍ أفضل لتوظيف الهيوملنكس بالقصة.

  • أنمي 2009: انسَ كلَّ ذلك. الهيومنكلس مُجرّد دمى ظلاميَّة غبيَّة تريد تدمير العالم، يصنعها هوينهام إرضاءً لمتعته، ولا تُوجد أي طريقة منطقية للقضاء عليها. أيضاً فهي يُمكن أن تتحول، بطريقة ما، إلى يرقاتٍ خضراء مُشوّهة لا أدري ماذا يُفترض أن تكون.

حجر الفلاسفة

مفهوم الحجر لا يختلفُ فعلاً بين الفصَّتين، لكن الأمر يتعلَّقُ بالصراع الدائر حوله:

  • أنمي 2003: محورُ القصة واضحةٌ جداً، فجميع الشخصيات الأساسية في المسلسل تخوضُ نزاعاً للوُصول إلى حجر الفلاسفة، حيث أنَّ لكلِّ منهم استخداماً خاصاً به يودّ تسخير الحجر لأجله. لكن الجبهة الرائدة في هذا الصِّراع هي الهيومنكلس، ولماذا ذلك؟ لأنهم كانوا موجودين منذ زمنٍ طويل جداً، فالهيومنكلس عمرهم مئات السنين، ولذلك فهُم يعرفون كلَّ شيءٍ عن حجر الفلاسفة، وكما تقول لست في اعترافٍ مذهلٍ بالحلقة 21، فإنَّ الهيومنكلس دائماً ما ينشرُون القصص والأساطير حول الحجر لاجتذاب اهتمام بشر أغبياء قادرين على صنعه، مثل إدوارد وألفونسو نفسيهما، أو يختلقون الحروب، مثل حرب إشبال، لتجهيز ضحايا للحجر.

  • أنمي 2009: الإخوة إلريك يردون الحجر ليعودوا بشراً طبيعيِّين، وثمَّة أمير صيني مجنون يُنزاعهما عليه ليجعل إمبراطوره خالداً ويُصبح - بطريقةٍ ما - وريثه، وعدا عن ذلك لا أحد يعلمُ ما هي فائدة الحجر بحقّ الجحيم.

المختبر الخامس

  • أنمي 2003: هذه واحدةٌ من أكثر المراحل جوهرية في القصَّة: فهُنا يكتشف سر حجر الفلاسفة، ومن هنا يفرٌُّ السجين كيمبلي، ويخرج متحوّلو الكيميرا، والأهم من ذلك كُلّه، يفرُّ غريد. تساعد حلقات المختبر الخامس على تعقيد الحبكة وجلب الكثير من العناصر الجديدة، وأكثر هذه العناصر إثارة - بالنسبة لي - هو الصّراع بين غريد وباقي الهيومنكلس الذي يبدأُ بالتصاعد خلال الحلقات القادمة.

  • أنمي 2009: كُنَّا نمزح فقط، المختبر ليس للزوَّار. سنُفجّر كل شيء ونطمره تحت الأرض.

راث

  • أنمي 2003: من أكبر المفاجئات في المسلسل. يظهر فجأة بصورة غامضة، تظلّ لفترةٍ تتأمل فيه وتتساءل عن ماهية هذا المخلوق الغريب الذي يُثير كل أنواع المشكلات والقلاقل، ثم تأتي المفاجأة الصادمة الأولى: فهو نتيجة التحويل الفاشلة التي قامت بها معلمة إدوارد وآل. لكن ليس ذلك فحسب، بل ثمَّة المفاجأة الكبرى: في نهاية الحلقة 29، يُدرك إدوارد أن هذا الفتى الغريب يحملُ نفس يده وساقه اللتين ضحَّا بهما لإنقاذ أخيه! يتصاعدُ كل ذلك لاحقاً ليكشف حقيقة البوابة، والرابط بين عالم الخيمياء والعالم الواقعي بطريقةٍ مُذهلة وغير متوقَّعة.

  • أنمي 2009: هذا كثير، لماذا نُعقِّد الأمور؟ فليكُن راث هو الفوهرر فحسب..

الفوهرر

  • أنمي 2003: الشخصية الدمثة اللطيفة، التي تعتقدُ أنَّها إلى جانب الخير طوال المسلسل، حتى تأتي الصدمة الكُبرى - التي يتمُّ تمويهها ببراعةٍ حتى اللحظة الأخيرة.

  • أنمي 2009: لا داعي لوجع الرأس، الفوهرر شرير.. انتهى الأمر.

شو تكر

حسناً، أراهن أنه ليس شخصيتك المُفضّلة، لكنه مهم رغم ذلك..

  • أنمي 2003: تكر شخصية عميقة ومهمة، تلعب دوراً جوهرياً في جميع مراحل القصة. فنحنُ، أولاً، نحصل على فُرصة لمعرفته جيِّداً قبل أن يقوم بفعلته مع نينا، ومن ثمَّ نراهُ مرَّة بعد الأخرى في مختبرات الجيش وهو يُحاول تصحيح غلطته بإعادة صناعة جسد ابنته. صحيحٌ أن شكله يُصبح مزعجاً، ولكنه يُضيف بعداً عاطفياً فريداً للقصة.

  • أنمي 2009: إضافة جانبية عديمة المعنى، لا أدري ما الدور الذي يخدمه أو الهدف الذي يؤدي في القصة. لا يكادُ يمضي نصف الحلقة الوحيدة التي يظهرُ فيها حتى يكون قد حوَّل ابنته وكلبه إلى كيميرا، دُون أن نحصل على فُرصة لتكوين فكرة عن شخصيات أيِّ منهما، أو الارتباط بهما نفسياً لنتأثَّر بما سيأتي لاحقاً.

لا أعلمُ حقاً ما سوى ذلك، لأني لم أنهِ المسلسل الجديد بعد. أحببتُ فقط التعبير عن كلِّ البدائع الرائعة التي دمَّرها صانعو سلسلة Brotherhood. آه… في كل ّ الأحوال، أتمنى أن لا يكون أحدٌ قد أضاع وقته بقراءة هذا الهراء.