الكاتبة - راندا الأنور

المصدر الأساسي :

http://blog.egyptscholars.org

نشر بتاريخ 6- 12 - 2015 م

السلسلة كاملة

  • الجزء[1]
  • الجزء[2]
  • الجزء[3]
  • الجزء[4]
  • الجزء[5]
  • الجزء[6]

الجزء الثالث

عرفنا في الجزء السابق أنًّ كل شيء نقوم به وسنقوم به في المستقبل سيترك خلفنا آثارًا رقمية تتزايد بشكل عملاق كل ساعة وكل يوم، وأن وصول تلك البيانات للأحجام الضخمة التي هي عليها اليوم هو ما نطلق عليه البيانات العملاقة أو Big data، وأنًّ تلك البيانات بقدر ما تحوي من معلومات هامة في باطنها إلا أنًّها من التعقيد الذي تعجز عنه وسائل التحليل التقليدية، والحاسبات العادية من التعامل معها بالتخزين، والتحليل، والمشاركة، وغير ذلك في زمن معقول نسبيًا. مما يستلزم التعامل معها بأدوات، وطرق تناسب طبيعتها المختلفة من حيث الحجم، والسرعة، والتنوع، والمصداقية، والتعقيد، وأيضًا القيمة. في هذا الجزء نتناول المزيد من التفاصيل عن البيانات العملاقة ونتعرف سويًا على استخداماتها الواسعة التي تحيط بنا ولا ندركها.

يجب أنْ تدرك أنًّ طبيعة البيانات العملاقة تختلف بشكل كبير فليست كل البيانات مُهيكلة ويمكن وضعها في جداول وإدراجها في برامج التحليل كأرقام. ولعل الصور ومقاطع الصوت والفيديو خير دليل على ذلك بل إنًّه من المدهش والمزعج أيضًا أن تعلم أن نسبة ضئيلة جدًا تمثل حوالي 20% من البيانات العملاقة هي فقط بيانات مُهيكلة structured data والباقي كله والذي يتزايد بشكل مخيف هو بيانات عشوائية غير مُهيكلة unstructured data لا يمكن تنسيقها في جداول كالبريد الإلكتروني ومنشورات ومحادثات وسائل التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك.

إذًا كيف نستخدمها أو نقوم بتحليلها؟

بدون الدخول إلى تفاصيل سيتم تناولها لاحقًا في أجزاء أخرى لكن الحوسبة السحابية cloud computing بالتضافر مع أساليب تحليل مطورة ومبتكرة Analytics تقوم بها برمجيات خاصة لهذا الغرض Hadoop وتعمل على عدة حواسب فائقة السرعة بطريقة موزعة، كلٌ منها يعمل على مجموعة بيانات مختلفة الحجم والنوع تستضيفها خوادم الإنترنت قد أغنت الجميع عن شراء حاسبات فائقة أو بناء شبكات. وذلك يعني أنَّه بداية من الحكومات، والهيئات، وقطاعات الأعمال، والقطاعات الخاصة وصولًا للأفراد يمكنهم جميعًا استخدام البيانات العملاقة لفهم المشكلات، وتحسين آليات اتخاذ القرار.

إذًا من يستخدمها؟ ولماذا يستخدمها؟

والحق أن سؤال “لماذا” هو الأشمل لأنه لنفس السبب تتنافس الكيانات في السوق لتحقيق نفس الهدف. والأسباب حقًا متعددة ومتنوعة أيضًا فمن الحصول على “تجارة ذكية” Smart Business إلى “رعاية طبية ذكية” Smart Healthcare إلى “مدينة ذكية” Smart City إلى “رياضة ذكية” Smart Athlete وصولًا إلى “المنازل الذكية” Smart homes وحتى “علاقة حب ذكية” Smart* love*. ولأن هذه ليس أمنيات أو ضرب من الخيال فتلك هي أمثلة واقعية تحدث الآن بالفعل:

الـ”تجارة الذكية” Smart Business:

مثلًا ستجد شركة مثل eBay.com وAmazon.com تستخدم البيانات العملاقة للبحث عن الترشيحات التي تقدمها للعملاء، وفهم التعليقات، ومعرفة ذوق المستهلك، واختيار العروض المناسبة. بل إن الشركات تستخدم تحليلات فيسبوك وتويتر لتحديد حجم المبيعات وانتشار العلامات التجارية إلكترونيًا. ويمكن للمتاجر الكبيرة بسهولة تتبع بيانات العملاء من خلال مشترياتهم وبيانات البطاقة الائتمانية وتقديم العروض الملائمة لهم عند ملاحظة تغيير نمط الشراء والاستهلاك. الأمر نفسه الذي تفعله شركات الخدمات كشركات الاتصالات وباقات القنوات الفضائية وتأجير الأفلام لمعرفة مستوى رضا العميل عن الخدمة التي يتلقاها وتفادي مخاطر تحوله لشركة منافسة. نفس الأمر يمكن استخدامه لاستبقاء الموظفين الأكفاء. وبذكر الخدمات وفيسبوك فلابد أن نذكر أيضًا أن الشركة تستخدم بيانات الصور الشخصية التي يقوم المستخدمين برفعها لتقديم خدمات مثل ترشيح الأصدقاء People You May Know.

وهناك شركات شهيرة أخرى في مجالات متعددة تنتفع من البيانات العملاقة مثل شركة Uber لتأجير السيارات وشركة AirBnB (وهي خدمة إلكترونية تساعد الناس على تأجير غرف بمنازلهم تمامًا كالفنادق) وربما تستغرب أن شركات لبيع السجائر الإلكترونية Smokio تنتج تطبيقًا يتابع نمط تدخين المستهلكين وبينما شركات أخرى تساعد المدخنين على الإقلاع عن النيكوتين مثل QuitBit وIntelliQuit. وحتى على صعيد التعليم فمثلًا Coursera المؤسسة الهادفة للربح تستخدمها للمنافسة على صعيد تقديم الخدمات التعليمية والتفوق على أقرانها.

الـ”رعاية الطبية الذكية” Smart Healthcare:

مثال عليها هو تحول وحدات رعاية الأطفال المرضى والمبتسرين لتحليل البيانات العملاقة الناتجة عن تسجيل معدلات التنفس والنبض والمؤشرات الحيوية للأطفال على الأجهزة طوال الوقت ومعرفة أنماط تطور المرض. الأمر الذي يمكنهم من التنبؤ بالمضاعفات قبل أن تحدث بالفعل بمدة لا تقل عن 24 ساعة.

الـ”مدينة الذكية” Smart City:

مثال عليها توقع مواقيت ومواقع ازدحام الطرق, ووسائل المواصلات من البيانات العملاقة التي تجمع من الشوارع, وإشارات المرور, والأحوال الجوية, ورسائل مواقع التواصل. وهي نفسها المعلومات التي استخدمتها شركة جوجل لإنتاج سيارتها ذاتية القيادة Google’s self-driving car التي تقوم المستشعرات فيها بجمع تلك البيانات.

ليس ذلك فحسب بل بتجميع معلومات وسائل التواصل كالرسائل والصور مع معلومات المكالمات الهاتفية يمكن توقع حدوث أي جرائم أو يمكن تتبع مرتكبيها والقبض عليهم. وبذكر الأمن أيضًا فإن تتبع نشاطك على المواقع الإلكترونية قد يحميك من القرصنة إذا تم الاشتباه في استخدام بيانات بطاقتك الائتمانية في نشاط غير مألوف فيمكن إيقاف التعامل بها ذاتيًا وحمايتك من المزيد من الخسائر.

وعلى الصعيد السياسي فإنه يمكن للسياسيين أن يتوقعوا بتحليل البيانات أيضًا مواقع المنافسة الشديدة والتي تحتاج لجهد أكبر منهم في الدعاية عن برامجهم الانتخابية. وليس السياسيون فقط من يمكنهم الاستفادة بتلك البيانات بل إن الفنانين يفعلون ذلك أيضًا! فالمغنية المشهورة ليدى جاجا Lady Gaga تستخدم بيانات أنماط الاستماع لدى الجمهور لاختيار اغنياتها التي تقوم بتقديمها في الحفلات الحية.

الـ”رياضة الذكية” Smart Athlete:

مثال عليها هو تحليل البيانات المجمعة من كرة بيسبول أو تنس ذكية (مزودة بعدد كبير من المستشعرات sensors) لتحليل أداء اللاعب من خلال أسلوب, وسرعة ضرباته. أو البيانات المجمعة من مستشعرات بدرّاجات السباق أثناء التدريب لتقييم الأداء. أو حتى الساعات، والأساور التي تجمع المؤشرات الحيوية للاعب ومعلومات عن معدل حرق السعرات وجودة نومه ومستوى التدريب وسرعة العدو وربما دمج ذلك مع التعليقات التي تصله على صفحاته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة مدى تأثر معنوياته بتعليقات الجمهور.

مصدر الصورة:

http://absoluteelectronics....

الـ”المنازل الذكية” Smart homes:

مثال على ذلك مقياس الوزن الذكي، والثلاجة الذكية، والتلفاز الذكي، والمدفأة، وسخان المياه، وكل تلك الأجهزة التي تستشعر استخدامك وتحلل ذوقك العام وتعدل من أدائها وفقًا لذلك التحليل بل وتقوم بالتنبؤ بالأعطاب وإرسال طلب للصيانة ذاتيًا على هاتفك.

“علاقة الحب الذكية” Smart love:

مثال عليها هو ما يقوم به موقع كـeHarmony الذي يحلل بيانات الأزواج مع أنماط شخصيتهم ومهاراتهم الاجتماعية من خلال استبيان إلكتروني يملؤه من يريد التعرف على شريك يناسبه فيمكنه من خلال التحليل أن يوفر لك شريكًا “مشابهًا” لك ربما لا تصل إليه أبدًا بنمطك المعتاد في الاختلاط بالناس. موقع آخر هو Perfectmatch.com يستخدم البيانات بأسلوب آخر فيوفر لك شريكا “مكملًا” لنمط شخصيتك بدلًا من ذلك.

كل ذلك يبدو جميلًا لكن ماذا عن السلبيات لذلك الأمر؟ فليس هناك شيئًا مثاليًا.

من المؤكد أنَّ القلق يساور العامة عمّن يملك تلك البيانات؟ ومن يقوم بتحليلها؟ ومع من يشاركونها؟ ولأي غرض؟ بالإضافة إلى ذلك فإنًّ النقد الأوسع انتشارًا حول البيانات العملاقة يدور حول انتهاك الخصوصية خاصةً بعد تصريح إدوارد سنودن Edward Snowden وتسريبه لمعلومات تثبت تورط وكالة الأمن القومي الأمريكية National Security Agency – NSA في فضيحة جمع وتسجيل المكالمات الهاتفية والأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي لملايين المواطنين الأمريكيين. والأمر لا يقتصر فقط على بيانات مثل هذه فبيانات التسجيلات الطبية بشركات التأمين مثلًا أو سجلات التعاملات النقدية بالبنوك لا تقل أهمية عن ذلك. وعلى ذكر المعاملات النقدية فقد تم بالفعل اختراق بيانات حوالي 110 مليون مواطن أميريكي مسجلة لدى 1700 فرع لمتاجر Target العملاقة في مطلع عام 2014 كانت تستخدمها لاستطلاع مؤشرات السوق، مما تسبب للشركة في أزمة قوية في سوق الأعمال تحاول جاهدة الخروج منها واستعادة ثقة عملائها.

كما أنه على الصعيد الآخر ستتكون بالتدريج احتكارات في قطاع الأعمال لأن ليس لدى جميع الشركات المقدرة على تحمل تكلفة النوع الأكثر احترافًا من تحليل البيانات مما يعطي للشركات الكبيرة فقط الأفضلية في تحويل السوق دائمًا إلى مصلحتهم.

أما بالنسبة للعلماء فربما ينقدون أمرًا آخر وهو الفكرة، والأسلوب. فالبعض منهم يرى أن تجميع البيانات بذلك الشكل دون وضعها في سياق محدد قبل التحليل يجعل من الأمر غير ناضج بما يكفي لاتخاذ القرارات، بينما يعترض البعض الآخر على أن تجميع البيانات بذلك الشكل يتنافى مع أسس البحث العلمي من اتباع شروط التمثيل للعينة المستخدمة في البحث وأنه ربما بالفعل تكون البيانات المستخدمة لعينة متحيزة وهو الأمر الذي لا يمكن الاعتماد على نتائج تحليله.

والآن وبعد أن عرفت أكثر عن البيانات العملاقة لعلك بالتأكيد متشوق لتعرف كيف يتم التحليل وماهي البرامج المستخدمة؟ وما النتائج المتوقعة إذا انتشر استخدام ذلك التحليل؟ وهل نتائجه دقيقة بالفعل؟ وهل يعني ذلك استبداله للكثير من نظم العمل والوظائف البشرية؟

سنشرح ذلك بتفصيل أكبر في الأجزاء القادمة.

مصادر:

http://en.wikipedia.org/wik...