مرة أخرى نعود لمعضلة ( الخصوصية ) في عالم البيانات الضخمة ..

الأمر بالنسبة لي مازال يمثّل هاجساً حقيقياً .. ليس من باب البارانويا العامة، بقدر ما له أسبابه بالفعل ..

====

( 1 )

منذ فترة قرأت منشوراً على فيسبوك اثار اهتمامي ، أن شخص ما ذهب الى أحد المتاجر ، ليتوقف أمام منتج معين على احد الارفف لفترة .. ثم ينصرف ..

يعود للمنزل ، يتصفّح الفيسبوك ليجد أن الاعلانات التي تصدر له تقدم له نفس المنتج بالضبط الذي كان يدرسه في المتجر !

الرجل شعر بالقلق .. وكان استنتاجه أن الفيسبوك يفعّـل خدمة تحديد الأماكن، وبلغت الدقة بأن يعرف مكانه بالضبط ، وأنه يقف امام رف منتج معين ، ليس فقط مجرد احداثيات عامة بقدر ما هو تحديد دقيق ..

====

( 2 )

هذا المنشور الذي يحمل في طيّاته معنى مخيف جداً ، لم اكن لأصدّقــه في الظروف العادية ، ربما لأنه مكتوب بصيغة تهويلية قليلاً .. إلا أنه ذكّــرني بقصّتين شديدتي الأهمية من أشهر ما يتم تداوله بخصوص مفهوم ( الخصوصية ) في عالم البيانات الضخمة الذي نعيشه ..

القصة الأولى :

تحكي ان شركة والمارت Walmart ، واحدة من اهم المتاجر في العالم ، ارادت زيادة ( الأرباح ) دون زيادة كبيرة في التكاليف .. فكان الحل هو ( مراقبة ) سلوك العمـلاء في الشراء .. فقامت بتطبيق أحد التحليلات المتخصصة في دراسة سلوك العملاء ، فوجدت أن أكثر منتجين يتم بيعهما - معاً - بشكل دائم هما : حفّاضات الأطفال .. والبيـرة

ما العلاقة بين حفّـاضات الأطفال والبيرة ؟

تم تفسير هذا الارتباط الغريب في أن السيدات عادة يطلبن من أزواجهم التوجه للمتجر لشراء حفاضات اطفال في طريق العودة من العمل .. وبعد ان يقوم الأب بشراء حفّاضة الأطفال ، يمر على اقرب ثلاجة ويقوم بشراء البيرة المثلجة ، بهدف الحصول على بعض الاسترخاء في نهاية اليوم ..

النتيجة : تم وضع رف حفاضات الأطفال .. وزجاجات البيرة بجانب بعضهما البعض في المتجر ..

====

( 3 )

القصة الثانية قرأتها في تقرير مهمة للنيـويورك تايمز ، بعنوان : How Companies Learn Your Secrets .. لفت نظري هذه القصة في متجر تارغت الامريكي .. ( لاحظ أن سياق الموضوع كله تجاري بحت )

أحد الزبائن توجّه الى مدير أحد الأفرع ، وهو يحمل في يده بعض الكوبونات التسويقية التي أرسلها المتجر الى ابنته .. ابنته كانت قاصراً في الخامسة عشر من عمرها ، وكانت ( الكوبونات التسويقية ) تشمل منتجات جنسية من ناحية .. وملابس أطفال ( وأسرّة أطفال ) ، ومنتجات ألبان ، ونصائح بخصوص فترة الحمل ، إلخ ..

اشتكى الرجل غاضباً .. واتهم المتجر بأنه يحاول تشجيع ابنته القاصر في الثانوية على الحمل ..

المدير شعر بالحرج ، وتقدم له بكل اعتذار ممكن .. وأبلغه أن هناك خطأ ما بالتأكيد قد حدث ..

اليوم التالي ، اتصل المدير مرة أخرى بالأب الغاضب للاعتذار مرة أخرى بخصوص هذا الموقف ، إلا أنه فوجئ أن الأب يخبره بـبعض الخجـل :

"لقد تكلمت مع ابنتي امس ، ويبدو ان هناك بعض الامور التي تحدث في منزلي لم أكن مُطّلعاً عليها بشكل كافٍ .. ابنتي بالفعل حامل ، وسوف تلد في اغسطس القادم .. اعتذر لكم "

قاعدة بيانات المتجر عرفت أمور خاصة عن أسرة ، لا يعرفها ربّ الأسرة نفسه ..

====

( 4 )

اتفهم خوارزميات الاعلانات الرقمية وعرضها .. ولكن أن يصل الامر الى توقع المنتج الذي سوف أشتريه .. وان اقف للبحث عن منتج في احد المتاجر ، لأجد الفيسبوك يظهرها لي كإعلان بعدها مباشرة .. وأن يصل الامر الى ان الشركات تعرف عني أكثر بكثير ما هو مسموح معرفته لأي أحد ؟

هل نحن في ازمة ياشباب ؟ .. هل يمكن ولو بدرجة بسيطة أن تقنعني أن هذه الثورة في عالم البيانات ، تراعي خصوصية المستخدم بأي شكل من الأشكال ؟

======

استحضر هنا الأصدقاء @يونس بن عمارة و @axok12 .. بعد سلسلة من النقاشات المهمة في هذا الموضوع :

المصادر :

القصة الاولى ليس لها مصدر ، هي منشور شخصي قرأته عبر الفيسبوك ( لم أعثر عليه للأسف )

راجع هذا التقرير للنيويورك تايمز :

واقرأ اكثر عن البيانات الضخمة :