لن نحتاج إلى ممتلكات مادية خلال السنوات القادمة، لأن كل شيء سيصبح هولوجرام

سيتحول البشر لكائنات أكثر كسلاً، وأقل خبرة في نواحي الحياة المختلفة، فلا أظن أن مشاهدة الفن والآثار على هيئة هولوجرام داخل منزلنا يماثل تجربة السفر بما يمنحه من خبرات، ولا زيارة المتاحف والمعابد بما يدخله على نفس الإنسان من سرور، ويحفر في ذاكرته ذكريات رحلته ومن قابلهم فيها.

لكن كذلك لا أظن أن من السهل أن يتحول كل شيء لهولوجرام، فمازال الإنسان مضطراً لتناول الطعام، وبالتالي لا يمكن استبدال العاملين في مجال الطعام، ولا العاملين في مجال خدمات التوصيل.

فكرة سيئة للغاية كمن يبيع الوهم مُعلبًا في عبوات، وتوضح مدى تأثير هذه التكنولوچيا الجديدة على حياة الإنسان بالسلب، فهي تجرده من إنسانيته وتفاعلاتها وحتى محيطه الآن!

ماذا يفيدني كإنسان إذا كنت لا أمتلك مثلًا مكتبة لكن لدي هولوجرام لمكتبة؟! أو لأي شيء آخر!، الإنسان بطبيعته يحب الأشياء المادية والتعامل والتفاعل مع محيطه والأشياء من حوله، وهذا ما أدي إلى تطور الكثير من الأشياء والابتكار عبر التاريخ.

هل تعلم ماذا تخيلت الآن بهذه التكنولوچيا؟ إنسانًا مشردًا يجلس بعلبة كرتون تحت المطر بالشارع لكن لديه هولوجرام لقصر به كل ما يريد!

هذه التكنولوجيا بلا شك مذهلة، لكن هناك تفاصيل صغيرة لا يمكن لأي هولوجرام أن ينقلها مثل حرارة اللقاء ورائحة المطر على الأرض، وصوت الضحك الذي ينبع من القلب، صحيح أن الواقع الافتراضي قد يسهل علينا الكثير، لكنه لا يستطيع أن يعوضنا عن شعور التواجد الحقيقي مع الآخرين، ولا عن المحبة التي تنبع من التفاعل المباشر، برأيي التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن بين هذا العالم الرقمي المتطور واحتياجاتنا الإنسانية الأصيلة، كي لا نفقد جوهر حياتنا وسط بريق هذا النوع من التكنولوجيا.

كيف هذا فأنا لا أفهم، أنا مقتنع أن التقنية في تطور سريع ومستمر لكن كيف تتحول الماديات إلى هوليجرام ؟ فأنا لا أفهم ذلك ولا استطيع تصوره، والاكثر من ذلك لا استطيع فهم العائد منه فما الذي سأستفيد منه عندما يتحول المادي من الممتلكات إلى تقنية كهذه ؟

حديث مارك زوكربيرغ يعكس طموحًا تقنيًا هائلًا، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات جوهرية حول معنى "الواقع" بالنسبة لنا كبشر.

القدرة على استبدال الأشياء المادية بهولوجرامات قد تعني كفاءة أعلى، وراحة، وتجارب غامرة لم تكن ممكنة من قبل… لكنها في المقابل تُهدد بانزلاق تدريجي نحو عزلة حسية وعاطفية.

الخطورة ليست في التقنية ذاتها، بل في الاستغراق فيها حد نسيان الحضور البشري.

حين تصبح علاقاتنا، تجاربنا، وحتى ممتلكاتنا مجرّد صور ثلاثية الأبعاد… ما الذي يتبقى من اللمس، من الحميمية، من الصدفة، من الشعور بالزمن وهو يمر فعلًا؟

الواقع المعزز قد يضيف الكثير… لكنه لا يعوّض دفء الواقع الحقيقي.

السؤال ليس فقط: إلى أين ستأخذنا التكنولوجيا؟

بل: ما الذي سنتمسّك به نحن، كبشر، وسط هذا التحوّل؟

الاعتماد الكامل على الواقع الافتراضي والهولوجرامات قد يسلب الإنسان شيئًا جوهريًا من تجربته في الحياة، وهو اللمس والاحتكاك الفعلي بالعالم. فبعض القيم لا تُنقل عبر شاشة أو صورة ثلاثية الأبعاد، كدفء المصافحة، أو شعورك بوزن كتاب تقرئينه، أو حتى ملمس الوردة التي قُدمت لك في لحظة خاصة. قد يُسهم هذا التطور في تسهيل حياتنا ماديًا، لكن مقابل ذلك نخسر أشياء لا تُقاس بالكفاءة أو التكنولوجيا، بل تُقاس بالمعنى والروح والتجربة الحسية الأصيلة.

ورغم أن هذا التطور يبدو مدهشًا من الناحية التقنية، إلا أن له تبعات إنسانية عميقة. إذا أصبح كل شيء افتراضيًا، فهذا سيؤدي إلى انعزال الإنسان عن الواقع بشكل مرعب، بحيث يعيش كل شخص في فقاعة افتراضية خاصة به وليس له أي علاقة بما يحدث خارجها.

يا صاحبي، هي فكرة يتم إثارتها من وقت لآخر لرفع سعر أسهم الشركة لا أكثر، في الواقع، تظل الإمكانات التقنية لتحقيق ذلك محدودة جدا، حتى أن الذكاء الاصطناعي مبني في الأساس، على بنية رقمية قوية، وليس على بنية مادية، تصورات مارك مبنية على فكرة الكائنات الافتراضية التي تمثل وتحاكي أشياء مادية.

هناك ثلاث قيود تحد من هذا النموذج

1-القدرة على الوصول إلى مخزون حقيقي، ولا زالت أمازون قوية، لذا على ما يبدوا أفكار مارك لا تزيد عن كونها أحلام العصاري حاليا.

2-القدرات الجرافيكية، رغم كل المزاعم المحيطة، صدقني، هناك محدودية فظيعة في بناء صورة ثلاثية الأبعاد محكمة وواقعية.

3-التكلفة العالية، فعلا، هذا قد يكون مناسب لشريحة من البشر، وليس كل البشر (بين قوسين، كل البشر هو تعداد أكثر من 8 مليار).

نعم تلك التقنية تهدد أيضًا بـزيادة الانعزال البشري عن الواقع المادي والمجتمع الحقيقي. تخيل عالماً يعيش فيه كل فرد في فقاعته الافتراضية الخاصة، يتفاعل مع هولوجرامات مصممة حسب رغباته، ويقل تواصله المباشر مع البيئة المحيطة والأشخاص الآخرين في العالم الحقيقي. هذا قد يؤدي إلى تآكل الروابط الاجتماعية، وتقليل التجارب الحسية الواقعية، وتراجع المهارات الاجتماعية، وربما فقدان القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم. السؤال الجوهري هنا هو: هل سيتمكن الإنسان من الحفاظ على توازنه النفسي والاجتماعي في عالم يصبح فيه "الواقع" مجرد عرض هولوغرافي؟