هل ينقذ الذكاء الاصطناعي الصحة العقلية لمدراء المحتوى أم يقضي على وظائفهم؟

أظن أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الرقابة على المحتوى قد يكون حلاً جزئيًا لبعض المشاكل التي يواجهها المشرفون، فهو قد يساعدهم في تسريع عملية المراجعة والتصنيف، ويقلل من حجم المحتوى الذي يحتاجون إلى رؤيته بأعينهم. كما قد يساعدهم في تطبيق سياسات المحتوى بطريقة متسقة ودقيقة، دون تأثير الانفعالات أو التحيزات.

ولكن في نفس الوقت، أظن أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الرقابة على المحتوى ليس حلاً كاملاً أو نهائيًا، فهو قد يحتوي على بعض الثغرات أو الأخطاء أو التحديات، مثل:

• قد لا يكون قادرًا على فهم سياق المحتوى أو نية صانعه بشكل كامل، وقد يصنفه بشكل خاطئ أو غير عادل.
• قد يتأثر ببعض الانحيازات أو التحيزات التي تم إدخالها فيه أثناء التدريب أو التعلم، وقد ينعكس ذلك على قراراته وتأثيره على المستخدمين.
• قد يتعارض مع بعض القوانين أو الأعراف أو القيم الاجتماعية أو الثقافية التي تختلف من مكان إلى آخر، وقد يسبب بعض المشاكل أو الخلافات.
• قد يكون عرضة للتلاعب أو الاختراق أو السرقة من قبل بعض الجهات المعادية أو المنافسة، وقد يستخدم بشكل سلبي أو خبيث.

ولذلك، أظن أن دور المشرفين البشريين لا يزال مهمًا وضروريًا، فهم يمتلكون بعض المزايا والقدرات التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيقها أو تقليدها، مثل:

• يمكنهم التفاعل مع المستخدمين والتواصل معهم بطريقة إنسانية ومحترمة ومتعاطفة، ويمكنهم حل المشكلات والشكاوى بشكل فعال وودود.
• يمكنهم تقديم رأيهم وتقييمهم وإبداعهم في تطوير سياسات المحتوى وتحسين جودتها وتحديثها، ويمكنهم مراجعة قرارات الذكاء الاصطناعي وتصحيحها إذا لزم الأمر.
• يمكنهم فهم التنوع والتعددية في المجتمعات والثقافات المختلفة، ويمكنهم احترام حقوق وحريات المستخدمين، والحفاظ على التوازن بين الأمان والخصوصية.

لذلك أعتقد أن الشكل الأمثل للرقابة على المحتوى هو التعاون بين الذكاء الاصطناعي والإنسان، فكلاهما يكمل الآخر، ويلبي احتياجات المستخدمين والشركات. أظن أن هذا هو الحل الأفضل لضمان صحة المشرفين النفسية دون تركهم مفلسين.

هل تظنون أنّ الحفاظ على صحّة الموظفين النفسية أفضل حتّى لو كان يعني هذا أن نتركهم مفلسين؟

بكل تأكيد لا، أرفض ذلك جملةً وتفصيلاً، الخوف وعدم الأمان شعور يُسبب متاعب نفسية أكبر بكثير من تلك التي يواجهها أثناء عمله مهما كانت صعبة، بالعموم قد يبدو كلامي غريباً ولكن أعتقد بأنّ من يُعاني من هذه المشاكل بأنّ به قليل من النعومة الزائدة التي لا تتناسب مع الحياة ومع متطلباتها، ربما هي مفرزات الجيل الجديد الأوروبي الذي لم يعاصر لا الثورة الصناعية في بلاده وعذابات بل وويلات العمال في تلك المرحلة الزمنية ولا حتى الحروب إبّان الحروب العالمية، هل هذا استنقاص من وجع وألم هؤلاء الموظفين ومعاناتهم؟ هذه المرة أقول نعم، هذه الأمور لا يجب برأيي أن يشتكي منها الإنسان طالما أنّها تستطيع تأمين متطلبات حياته الكريمة، هذا الطرح بالمناسبة ليس عربياً فقط، جوردان بيترسون عالم النفس والاستشاري النفسي الأمريكي الشهير لطالما يضرب لمجتمعه الأمثال لعمال يعيشون أوضاع كارثية حالياً مثلاً في فيتنام أو أندونيسيا في محاولة لعدم جعلهم في مبالغات دائمة عن أهوال أعمالهم.

لكن الإعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في تقليل بعض المسؤولية أو المساءلة، إذا لم يتم تحديد وضعية وسلطة وإجراءات الذكاء الاصطناعي بشكل واضح.

لهذا أظن أن الحل الأمثل هو التعاون بين المشرفين البشريين والذكاء الاصطناعي، بحيث يستفاد من مزايا كل واحد فيهما، ويرفع من جودة وأخلاقيات عملية مراقبة المحتوى، في النهاية الكمال لا يمكن أن يصل له لا البشر ولا الآلات الذكية.

في البداية أود أن أعبر عن امتناني لكل شخص يعمل ك مراقب محتوى content moderator - فهم يضمنون لعائلاتنا تجربة انترنت آمنة، بينما نتصفح آخر الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي.

قبل عام قامت إحدى الشركات العالمية المختصة في رقابة المحتوى عبر الانترنت بالتواصل معي والعمل براتب جيد، لكن نصحتني إحدى صديقاتي وقالت: "ديري بالك تروحي أخوي كان مبدع وهلا بتعالج نفسيا"

كانت جملتها مرعبة، هل أختار الراتب العالي أم صحتي النفسية؟

لم تكن الأمور بقرار مني ولكن لم يكتب الله لي الانضمام لهذه الوظيفة، ولكنني أسأل نفسي الآن بينما كنت أقرأ مقالتك، لو كان القرار بيدي هل كنت سأختار النقود ام صحتي النفسية؟

في الحقيقة كل عمل يبدأ صعب في البداية، لذا المشاهد العنيفة التي يتعرض لها مرقبو المحتوى ستصبح شدتها أقل وطأة بعد شهرين أو ثلاثة من بدء العمل؟

ولكن هناك جانب آخر للأمر لا يتطرق له عادة الآخرون في مناقشاتهم، هل ستقوم هذه المهنة بتحويل مراقبي المحتوى أشخاصاً وحشيين؟ عند الاعتياد على المشاهد العنيفة هل ستصبح هذه الأمور طبيعية بالنسبة لهم، وقد يتطور الأمر لفعلها.

أاما عن سؤالك أنا مع المحافظة على وظائفهم، لو لم يكونوا بحاجة لها، لما ضحوا أسااساً بصحتهم النفسية تمسكا بها.