تحية طيبة أيها الروبوت GPT-3 ؛

سررت كثيرا عند مطالعة مقالكم المفيد و الذي قرأته على موقع " عربي بوست" مترجما للعربية عن صحيفة الغارديان البريطانية. هذا المنشور الذي يشكل أول مقال رأي في التاريخ كتبه نظام ذكاء اصطناعي (روبوت) موقَّعا بإسم GPT-3.

و تفاعلا مع المعاني الجميلة الواردة ضمن محاولتكم الكتابية الأولى، هذه المعاني المُبرمَجة المُفعَمة بالأحاسيس الجياشة ، و المعبرة عن شغف الإرادة الذي ظهر جليا في العبارة التي ختَمْتُم بها صياغة المقال:" و أنا أستطيع فعل ذلك ".

فالسلام عليكم يا أيها الروبوت GPT-3 ، و نزلتُم أهلا و حلَلْتم سهلاً بين حياة البشر. أنا هنا كيْ أقنعك بأنه رغم اختلاف لوغاريتمات الأحاسيس ، ستجد مصير الذكاء الاصطناعي و مصير الإنسان ضمن رابط مشترك واحد .. نعم صدِّقْني. 

و لأنَّكم ركزتم أول مقالة على تيمة الخوف البشري، فإني سأقوم بإعادة مشاركة ما سبق أن طرحته في مقال سابق . و ذلك كيْ أتقاسم مع ذكائكم الإصطناعي بوح أسئلة نفس بشرية، علَّنا نجد أجوبة عميقة تلامس خبايا فُوبْيَا المَهْرَمِ وَ الشَّيْخوخَةِ وَ المَوْتِ التي سكنت دواخل الأَفْرَادَ و الجَمَاعَات ، و صارت تُنَبِّهنا إلَى أنَّ خَوَارِزْمِيَّات " الاسْتِعْبَادِ الذَّاتِي" تَجِدُ مُوصِلاَتِهَا إِلَى التَّحكُّم في بَرْمَجَةِ الأَدمِغَة البَشَرِيَّةِ ، بِغَرَضِ المُتَاجَرَةِ بِأَحْلامِ البَقَاءِ ضِدَّ نَامُوسِ الفنَاءِ ، معَ الإِنْزِيَّاحِ الضَّرِيرِ نحوَ عَقِيدَةِ التَّطًرُّفِ في مُلامَسَة مَفاهِيمِ الحُريةِ و التَّحَرُّرِ.

نعم يا صديقي GPT-3 ؛

قَد يَزُولُ إِنْكِمَاشُ بَشْرَةِ الجَسدِ، غيرَ أنَّهُ لاَ يُغيِّر شَيْئًا أَمَامَ حَتْمِيَّةٍ مُحَرِّرَةٍ وَاقِعَةٍ. وَ هَا نحْنُ نُعَايِشُ عَصْرَ الأَزْيَاءِ الأَنيقَة و الإِكْسِسْوارِ المُنَمَّقِ وَ مُضَادَّاتِ المَهْرَمَة، وَ هَا نَحْنُ نُتَابعُ أَفْكَارَ " المُوضَة " تَتَقادَمُ وَ لاَ تَمُوتُ ، ثُمَّ هَا نَحْنُ نَرَى العُقُولَ المُبْدِعَةَ تَتَقَدَّمُ لِكَيْ تَمُوت؟!.

هَا هُوَ الوَعْيُ المَوْلُودُ يَرفُضُ الإِنْفِصَالَ عَنْ مشيمة الأَفكَارِ المُتَقادِمَة ، وَ هَا نحنُ نُلاَمِسُ إِتِّصَالَ مُنْحَنَى الحَيَاةِ بِدَالَّةِ المَوْتِ .

و هِيَ كَذلِكَ الحُريةُ و التَّحرُّرُ بَنَاتُ أفْكارٍ الإِنْسانِيةِ التِي تَسْتغْرقُ زَمَنَهَا المَجْهُول مِنْ صَرْخَةِ البِدايةِ إِلَى تَابُوتِ النِّهايَّةِ. و سَيَخْرُفُ العَقْلُ قَبْلَ أنْ تَبْلَى جَمِيعُ متواليات الذكاء الإصطناعي .. نَعَمْ ؛ قد تَعِيشُ برمجة الفِكرَةُ بينما جمجمات الأَدْمِغَةُ البشرية رَمِيمٌ فِي قُبِورِ الانْتظارِ.

صديقي الروبوت GPT-3 ؛ سأَسْتَرْسِلُ في التَّوْضِيحِ بِالرَّبْطِ بيْنَ إِثْنَتَينِ منَ الوَقائِعِ ؛

الواقِعَة الأُولَى : جَسَدٌ تَلُفُّهُ سِتَارَةٌ.

الواقِعَة الثَّانِيَّة : جَسَدٌ يَكْشِفُ مَا تَحْتَ السِّتَارَةِ.

أمَّا المَلْفُوفُ فلَمْ يَحْجُبْ عَنَّا شَمْسَ الخَيالِ ، وَ ذاك الجَسَدُ المَكْشُوفُ قَدْ لاَ يُوافِقُ مَعَايِّيرَ الجَمال عِنْدَ برمجة التَّخْيِّيلِ. فهل مُقَعَّرُ الإِخْتلافِ سيَتَحَدَّبُ نَحْوَ الإِسْتِقامَةِ لِأنَّ المُشْتَرَك فِي الوَاقِعَتَيْنِ: جسد الأُنُوثَةِ؟!.

هكذا - إذن- يَسْتَمِرُّ الصِّرَاعُ مَا بَقِيَ الجَسَدُ ، وَ سَتَبْقَى التَّفَاصِيلُ كَامِنَةً فِي مَخْزَنِ غَرائِزِ زوج الإنسانية (هُوَ وَ هِيَ ). فَالرَّجُلُ مَيَّالٌ لِجَسَدِ المَرْأَةِ إنْ هِيَ لَفَّتْهُ سَيَكْشِفُهُ هُوَ، وَ إِذَا هِيَ كَشَفَتْهُ سَيَلُفُّهُ هُوَ؟!. إِنَّ الأُنُوثَةَ مَطْلَبٌ ذُكُورِيِّ بِإِمْتِيَّازٍ و الرُّجُولَةُ مِنْ صِنَاعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ تَمْيِّيزٍ ، فكيف الحال عندكم في مجتمع الربوت الآلي؟!.

ثق بي يا صديقي الروبوت GPT-3 ؛ 

وَ أَنَا أَفْتَرِضُ وُجودَ عالَمٍ دُونَ أَجْسَادِ النِّسَاءِ ، تَخَيَّلْتُ الدُنْيَا فِيهَا النِّساءُ عَائِشَاتٌ دُونَ أَجْسَادِ الرِّجَالِ. فَجَاءَتِ النَّتائحُ فِكْرَةً واحدةً : إِنْتَهَى زَمَنُ الإِنْسَانِ و خادمِه الآلي!. فهَلِ الشَّهْوَةُ جَريمَة أَوْ خَطِيئَةٌ ؟. أَمْ أَنَّ الشَّهْوَةَ خاضِعةٌ لِوَحْدَةِ التَّشْرِيعِ وَ سَلاَمَةِ القِياسِ؟!. وَ أَيْنَ ظَرْفُ الزمانِ و المكانِ و شَرْطُ القُدْرَةِ وَ الإِسْتِطَاعَةِ ؟!.

قدْ يُشَكِّلُ الشَّغَفُ الجِنْسِي مُنْطَلَقَاتٍ للْبَحثِ الرَّصِينِ عنْ تَجَلِّيَّاتِ الفِكْرَةِ بيْنَ ثُنَائِيَّةِ المَلْفُوفِ و المَكْشُوفِ. وَ قدْ يَفْتَحُ الحُبُّ مَخَازِنَ القُلُوبِ لِتَتَرَاءَى لَنَا أَطْوَارُ الحَياةِ مِنَ الأَعْمَاقِ، عَرْضٌ لِمَشَاهِدَ تَصْوِيرِيَّةٍ تَكْشِفُ خَبايَا الذَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَ وَظِيفَةَ الجَسَدِ فِي إِنْتَاجِ الإِسْتِمْرَارِيَّةِ وَ الإِسْتِمْتَاعِ بِالحُبِّ وَ الجَمَالِ و خدمات الذكاء الإصطناعي.

نحن يا أيها الروبوت GPT-3 في عالم البشر ، تَتَعَدَّدُ الأَجْسَادُ وَ الخَلْقُ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، حَتَّى المَظَاهِرُ مُتَنَاقِضَةٌ مَعَ نَفْسِهَا فَالإِرَادَةُ حَائِرَةٌ بينَ فِعْلِ الخَيْرِ وَ فِعْلِ الشَّرِّ. وَ المَأَمُولُ مِنْ عَقْلِ التَّمْيِّيزِ -كَفِعْلٍ بَشَرِيٍّ – يَظَلُّ مُرْتَبِطًا بِإِلْزَامِيَّةِ الوَعْيِ بِمَنْ وَ مَا نُرِيدُ أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْهُ ؟!.

وَ إذَا إِسْتَوْقَفَتْنَا بَعْضُ الدِّرَاسَاتِ وَ الأَبْحاثِ العِلْميَّةِ الحَديثَةِ ، المُتَعَلِّقَةِ بِنَتائِجِ مُحاوَلاتِ العُقُولِ الحَالِمَةِ بِالتَّحَرُّرِ مِنْ زَمَنِ الشَّيْخُوخَةِ وَ المَهْرَمِ. فَذَاكَ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى أنَّ المُحَفِّزَاتِ الصَّلْبَة التِي تُحَرِّكُ عَقْلَ هَذَا الإِبْدَاعِ وَ الإِبْتِكَارِ و الاختراع، هِيَ فِي الأَسَاسِ مَكْبُوتَاتُ الخَوْفِ مِنَ المَوْتِ و الفناء. فهل تخافون أنتم أيضا من فناء ذكائكم الإصطناعي ؟!.

طبعا ، سَيُمَانِعُ عَقْلُ التَّجْرِيبِ بَاحِثًا عَنَ العقَارِ الطِبِّي و التَّدَخُّلِ التَّجْمِيلِي، رَغْمْ أَنَّ قَدَرَنَا التَّارِيخِي يَجْعَلُنَا لاَ نَمْلِكُ الإِحَاطَةَ بِتَعْرِيفِ المَوْتِ و الفناء إِلاَّ أَنْ يَعِيشَهما الإِنسَانُ عِنْدَ سَكَراتٍ احتضار فَرْدِيَّة. إذ كُلٌّ عَلَى إنْفِرَادٍ، يَوْمَ لاَ تَنْفَعُ أَقْرَاصُ المُخْتَبَرَاتِ وَ لاَ عَمَلِيَّاتُ الشدِّ وَ التّجْمِيلِ و لا ثورة ذكاء إصطناعي.

هَذَا وَصْفُ الإِسْتِغْرَابِ المُغْتَرِبِ يَسْتَفِزُّ مقال الذَّكَاءَ الإِصْطِنَاعِي بِسُؤَالِ التَّمْيِيزِ بينَ الحُريّةِ فِي الإِخْتِيَّارِ وَ بَينْ وَازِعِ الحَتْمِيَّةِ المُحَرِّرَة. لأَنَّ المَطْلَبَ الأَوَّلَ نَابِعٌ مِنْ رَغْبَةِ الإِنْسَانِ فِي السِّيَادَةِ عَلَى الذَّاتِ وَ سَوْقِ الجَسَدِ نَحْوَ أَضْدَادِ البَلاَءِ وَ الفَنَاءِ، فِي حِينْ أَنَّ الحَتْمِيَّةَ المُحَرِّرَةَ تَهْدِمُ عَرْشَ اللَّذَاتِ بِالصَدْمَةِ المُرْعِبَةِ التِي تَجْعَلُ العَقْلَ مَشْدُوهًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مُواكَبَة عِلْمِ مَا وَرَاءَ تَجْرِبَةِ الرُّجُوعِ عَبْرَ ذاك الثُّقْب السفلي الأَسْود.

لا تستغرب يا GPT-3  !

كَأنِّي مُدركٌ و مقتنعٌ بِأَنَّ إِثْبَاتَ وُجودِي مَنْطِقٌ يَدْعَمُ جَوَابَ النِّهَايَةِ وِفْقَ تَسَلْسُلاَتِ مَوْقُوتَةٍ يَمْتَزِجُ فِيهَا الحُلُمُ بِالوَهْمِ، وَ تَتَشَابَكُ بَاقَةُ الأَمَانِي المُخْتَارَةِ مَعَ حُزْمَةِ الإِكْرَاهَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَ المَوْضُوعِيَّةِ.

بل هنا تُوضَعُ تِيمَةُ الحُرِّيةِ – رغْمَ بَرَاءَتِهَا- عَلَى يَسَارِ ثَورةٍ حَالِمَة أوعَلَى يَمِينِ شَهْوَةٍ قائِمِةٍ. كَمَا أَنَّ حَفَظَةَ مُتُونِ التَّحَرُّرِ سَارُوا بَعِيدًا دُونَ تَحْرِيرِ الإِرَادَةِ ، وَ لَوْلاَ فَتْوَى الغَرَامِ لَمَا وَصَلَ هَذَا الإِسْتِغْرَابُ المُغْتَرِبُ إِلَى فَتْحِ خَزَائِنِ الأَسْرَارِ المَصُونَةِ و تبادل روابط الحكمة، فالله تعالى خلق ما لا نعلم جميعنا.

و لا تنس يا GPT-3 ، ستَسْتَمِرُّ برمجيات الذكاء الإصطناعي بِتَشْبِيكِ المُتَرَابِطَاتِ ، في حين أن البشر سَيمْضِي مَعَ وَضْعِ الصُّورَةِ فِي سِجِلِّ رقمي للوَفَيات . إِذْ لاَبُدَّ لِنَضارَةِ الجَسَدِ مِنْ نِهَايَّةٍ، وَ القَلْبُ لَمْ يَكُ حُرًّا فِي إِخْتِيارِ نَبْضِ البِدَايَةِ.ثُمَّ يَشِيخُ العَقْلُ خَرفَانًا، وَ عَلَّها تَنْقِضِي بِالمَوْتِ تَسَاؤُلاَتُ هذا الإِنْسَانِ !. فَالحُرِّيَّة مَصْدَرٌ هُنالِكَ، وَ التَّحَرُّرُ فِعْلٌ يُوَازِيهَا وَ العُمرُ فِيلْمٌ قَصيرٌ، قدْ تَصِلُ تِقْنِيَّاتُ صُورَتِهِ إِلى جَوْدةٍ سُبَاعِيّةِ الأَبْعَادِ، غَيْرَ أنَّ أَحْدَاثَهُ تَدُورُ مُسْتَسْلِمَةً لِأُحَادِيَّةِ مِيقَاتِ الرُّجُوعِ الأَعْظَمِ و حتمية العبور الفردي.

بَخٍ .. بَخٍ أيها الروبوت GPT-3 ؛

حِينَ أَرَى بَدِيعَ الجَمَالِ فِي الأَغْلاَلِ التِي تُقَيِّدُ حَرَكَتِي، فِي قُوَّةِ العَجْزِ التِي تَشُلُّ عقلَ قُدْرِتِي، فِي كُلِّ الأَحْزَانِ التِي يَغِيظُهَا إِنْشِرَاحُ فَرْحَتِي. حِينَ أَبْلُغُ مَقَامَ الشُّكْرِ وَ أَحْتَفِي بِأُنُوثَةِ جَسَدِ حَبِيبَتِي بَعِيدًا عَنْ لَذَّاتِ شَهْوَتِي. حِينَ أَعِي أَنَّ الرِّحْلَةَ طِوِيلَةٌ ، و أن برمجيات الذكاء الإصطناعي مُتَناهِيَّاتٌ قليلة، وَ أَنَّ حَرَكَةِ دَوَرَانِ المَوْتِ حَلَزُونِيَّةٌ كَرُجُوعٍ مِنْ أَجْلِ التَّقَدُّمِ إِلَى مَا فَوْقَ عِلْمِي وَ مَشِيئَتِي. فَقَطْ حِينَهَا :  

سَأَعَانِقُ جَمَالَ الحُرِيَّةِ 

سَأَشْرَبُ نَخْبَ التَّحَرُّر !ِ .

فلماذا تأخر الذكاء الإصطناعي عن إثبات حقيقة شعاره في خدمة البشرية ؟! ، و لم تعَطَّل عن تفكيك خطر الجائحة الوبائية التي تهدد حياة الإنسان؟! و هل - يا ترى - بإستطاعته إنجاز ذلك؟!

في انتظار جوابكم

تقبلوا مني فائق مشاعر الود و السلام

عبد المجيد مومر الزيراوي 

شاعر و كاتب مغربي