إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)

إبن كثير :

قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا " وقوله " أو كصيب من السماء " الآيات الثلاث قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى " هم الخاسرون " وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب قال المشركون : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ؟ فأنزل الله " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " وقال سعيد عن قتادة أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا مما قل أو كثر وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " قلت : العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الآية مكية وليس كذلك وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب والله أعلم . وروى ابن جريج عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة : وقال ابن أبي حاتم : روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال : هذا مثل ضربه الله للدنيا أن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله عند ذلك ثم تلا " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " هكذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية بنحوه فالله أعلم فهذا اختلافهم في سبب النزول . وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي لأنه أمس بالسورة وهو مناسب ومعنى الآية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي أي لا يستنكف وقيل لا يخشى أن يضرب مثلا ما أي مثل كان بأي شيء كان صغيرا كان أو كبيرا وما هاهنا للتقليل وتكون بعوضة منصوبة على البدل كما تقول لأضربن ضربا ما فيصدق بأدنى شيء أو تكون ما نكرة موصوفة ببعوضة واختار ابن جرير أن ما موصولة وبعوضة معربة بإعرابها قال : وذلك سائغ في كلام العرب أنهم يعربون صلة ما ومن بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة ونكرة أخرى كما قال حسان بن ثابت : يكفي بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا قال ويجوز أن تكون بعوضة منصوبة بحذف الجار وتقدير الكلام إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء وقرأ الضحاك وإبراهيم بن عبلة بعوضة بالرفع قال ابن جني وتكون صلة لما وحذف العائد كما في قوله " تماما على الذي أحسن " أي على الذي هو أحسن . وحكى سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا. أي بالذي هو قائل لك شيئا وقوله تعالى " فما فوقها " فيه قولان أحدهما فما دونها في الصغر والحقارة كما إذا وصف لك رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك - يعني فيما وصفت - وهذا قول الكسائي وأبي عبيد قاله الرازي وأكثر المحققين. وفي الحديث " لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء " والثاني فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار ابن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة كما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " وقال " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" وقال تعالى " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " وقال تعالى " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء " الآية ثم قال " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل " الآية كما قال " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم " الآية . وقال" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون " الآية. وقال " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " وفي القرآن أمثال كثيرة . قال بعض السلف إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله قال " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " وقال مجاهد في قوله تعالى " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها . وقال قتادة " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك وقال أبو العالية " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " يعني هذا المثل " وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا " كما قال في سورة المدثر " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو " وكذلك قال هاهنا " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين " قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة يضل به كثيرا يعني به المنافقين ويهدي به كثيرا يعني به المؤمنين فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لتكذيبهم بما قد علموه حقا يقينا من المثل الذي ضربه الله بما ضرب لهم وأنه لما ضرب له موافق فذلك إضلال الله إياهم به ويهدي به يعني المثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم لتصديقهم بما قد علموه حقا يقينا أنه موافق لما ضربه الله له مثلا وإقرارهم به وذلك هداية من الله لهم به " وما يضل به إلا الفاسقين " قال هم المنافقون وقال أبو العالية " وما يضل به إلا الفاسقين " قال هم أهل النفاق . وكذا قال ربيع بن أنس وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس " وما يضل به إلا الفاسقين " قال يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به . وقال قتادة " وما يضل به إلا الفاسقين" فسقوا فأضلهم الله على فسقهم . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد " يضل به كثيرا " يعني الخوارج .


الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)

إبن كثير :

وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال : سألت أبي فقلت قوله تعالى " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " إلى آخر الآية فقال : هم الحرورية وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام والفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة أيضا . وتقول العرب فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها ولهذا يقال للفأرة فويسقة لخروجها عن جحرها للفساد . وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " فالفاسق يشمل الكافر والعاصي ولكن فسق الكافر أشد وأفحش والمراد من الآية الفاسق الكافر والله أعلم بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى" الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون " وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين كما قال تعالى في سورة الرعد" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " الآيات إلى أن قال " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه فقال بعضهم : هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به وقال آخرون بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك وكتمانهم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا . وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وهو قول مقاتل بن حيان . وقال آخرون بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله الشاهدة لهم على صدقهم قالوا ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق . وروي عن مقاتل بن حيان أيضا نحو هذا وهو حسن وإليه مال الزمخشري فإنه قال فإن قلت : فما المراد بعهد الله ؟ قلت ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معنى قوله تعالى " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " إذا أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " وقال آخرون العهد الذي ذكره تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله " وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا " الآيتين . ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضا حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - إلى قوله - أولئك هم الخاسرون " قال هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال : إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا اؤتمنوا خانوا ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل وأفسدوا في الأرض وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا اؤتمنوا خانوا . وكذا قال الربيع بن أنس أيضا وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه" قال هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه . وقوله " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " قيل المراد به صلة الأرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم" ورجحه ابن جرير وقيل المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه . وقال مقاتل بن حيان في قوله تعالى " أولئك هم الخاسرون" قال في الآخرة وهذا كما قال تعالى " أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقال الضحاك عن ابن عباس كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر فإنما يعني به الكفر وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب . وقال ابن جرير في قوله تعالى " أولئك هم الخاسرون " الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته يقال منه خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا كما قال جرير بن عطية : إن سليطا في الخسار أنه أولاد قوم خلقوا أقنه


كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)

إبن كثير :

يقول تعالى محتجا على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده كيف تكفرون بالله أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره " وكنتم أمواتا فأحياكم " أي وقد كنتم عدما فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون " وقال تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " والآيات في هذا كثيرة وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا " قال هي التي في البقرة " وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : كنتم أمواتا فأحياكم أمواتا في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم قال وهي مثل قوله تعالى " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " : وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" قال كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور . فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى - فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وهكذا روي عن السدي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك وقال الثوري عن السدي عن أبي صالح " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " قال يحييكم في القبر ثم يميتكم وقال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة . وذلك كقوله تعالى " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " وهذا غريب والذي قبله . والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس وأولئك الجماعة من التابعين وهو كقوله تعالى" قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " الآية كما قال تعالى في الأصنام " أموات غير أحياء وما يشعرون " الآية وقال " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون " .