كثيرًا ما رأيت -في السعودية خصوصًا- إطلاق الألقاب العنصّرية على أفعال شخصٍ معيّن لا تتوافق مع عادات تقاليد ذلك البلد، ولكن دائمًا ما يكون إطلاق الشتائم على الشخص نفسّه ومهاجمة أصله وبأنه ليس وطنيًا أصليًا أو بالدارجة السعودية "مُتجنِس" بمعنى أنه أخذ جنسية هذا البلد ولأنه كذلك، فهو لا يمثّل أبناء البلد "الأصليّين"-حسب رأيهم- بدلًا من مناقشة أفعاله -وهذه مغالطة منطقية- وعلى العموم أنا ضد مناقشة أفعال شخصٍ بناءًا على عادات وتقاليد.

ربما قد يكون إسم قبيلته غريبًا أو لوّن بشرته مختلفًا، إن كان أبيض أكثر من المألوف أو ملوّن البشرة أسمرًا أو ذا ملامح مختلفة، لا يهم، أيّ سبب قد يجعّل أبناء البلد "الأصليّين" يلقون عليك ألقابًا مثل "طرش البحر" أو "بقايا الحجاج"... إلى آخره من الألقاب المهيّنة، فـ"طرش البحر" هم من قدموا إلى المملكة من خلال البحر كنازحين، و"بقايا الحجاج" هم من أتوا للحج ومن ثم قرروا البقاء في مكّة لإسبابٍ عديدة. وأنا أتحدث هنا عن السعوديّة بشكلٍ خاص، فتلك الظاهرة منتشرة كثيرًا هُناك.

وأتسائل ما الذي يهمّ في ذلك؟ لماذا سأنبش وأفتش في قبيلته ولونه وعرقه لأثبت بأي طريقة من الطرائق وأي ذرةٍ من الأسباب بأنه ليس من بلدي ولا ينتمي إلي ولا يمثّلني؟ ما الحاجة في أن يمثّلني أصلًا؟ أليس لي رأيٌ وأفكار والقدرة لأمثّل نفسي وحسب؟

وتلك ألالقاب يتم إلقائها بسبب التعّصب القبلي وأحكام مسبقة بسبب شكلك الخارجيّ. لا أرى هذا إلا تكبرًا وتفاخرًا بالأنساب وتسببه في تأخر طرح الآراء والأفكار أو حتى عدم وجودها.

ففي جولةٍ بسّيطة في تويتر حوّل مشاركة السعوديّة في الأولمبياد -على سبيل التوضيّح- لم أجد سوى نبش قبائل فتياتٍ شاركن في الأولمبياد والكل يتبرأ من تمثيّلهن للسعودية:

"فتياتٌ "مُجنسات" لا يمثلننا، أنظر إلى أسماء قبائلهن! "فهمي" و"أبو الجدايل" و"شهرخاني" هذه ليست أسماء قبائل سعّودية! أنظر حتى إلى أشكالهن! واضحٌ وضوح الشمس في كبد السماء أنهن لسّن سعوديات!" على تلك الشاكلة كانت أغلب التعليقات.

70% كانت التغريدات متعلقة بالقبائل والأشكال

20% متعّلقة بأحكام دينيّة

10% كانت تأييدًا لهّن[2]

فلماذا على كل شخصٍ ينتمي لبلدٍ معيّن أن لا يخرج أبدًا خارج الدائرة المعّروفة للأفعال؟ فإن أتخذ غير ذلك سبيلًا فإن غالبية المجتمع سيكونون ضده بالشتائم أو غيرها. حسنًا إن الشتائم وتلك الألقاب لا تهم، ولن تزعزع نجاح شخصٍ ما قيد أنملة -إلا لو كان يهتم بأراء الآخرين كثيرًا- ولكن سيتأثر المجتمع ولن يكون هناك شخصٌ يخطوا خطوةٌ واحدة خارج دائرة الأفعال، فالعاقل إن نطق سيموت غيظًا وإن سكت سيموت كمدًا من حال مجتمعٍ لا يجد له طريقًا لإصلاحه، مجتمعٌ منغلقٌ على نفسه في دائرة أفعالٍ ضيّقة. فماذا ستتوقع؟

سينتقل المجتمع من ذلك إلى البكاء على نفسه، وتصّوحُ فيه زهرته، وتنطفىء جذوته، وتضعف مِنته، ويمحّو نهار مشيبه ليل شبابه، فيزحف إلى قبرهِ خطوةً خطوة حتى يتردى فيها.[1]

فما رأيك في التعّصبات القبليّة والأحكام المسبقة بسبب الشكل، وعدم الخروج من دائرة الأفعّال المفروضة؟

[1] نصّ من كتاب الأعمال الكاملة لمصطفى لطفي المنفلوطي، الصّفحة 411 مع بعض التصّرف، وجدته معبّرًا فوضعته.

[2] تلك إحصائية للتوضّيح فقط، تحتمّل الخطأ وليست دقيقّة.