مسلسل شهير حصل على أصداء عالية من المشاهدين وتقييمات مرتفعة من النُقّاد في بعض حلقاته، المثير في تجربتي لهذا المسلسل أنّني عندما أشاهد حلقة منه، أتوجس خيفة من نفسي ومن العالم الذي أعيش فيه، ماذا لو حولّتنا أنواع التكنولوجيا التي انتشرت في كافة مجالات حياتنا الاجتماعية والمهنية إلى كائنات كثيرة التوتر، كثيرة القلق، كثيرة الخوف، ماذا لو أصبحت علاقاتنا مُسيّرة بضغطة زر، أصبحت تلك الأيقونات هي التي تُحدد من الذي يجب أن نتعايش معه، ومن الذي يجب أنّ نُكوّن علاقة معه، ومن هم أولئك المنبوذون؟، بالتأكيد حينها، لن يُصبح هناك مجال للحدس، لدقات القلب، للتناغم الروحي!، وماذا لو تمكّنّا من التوغل في العقل البشري بواسطة تلك التقنيات، هل ستبقى حاجتنا ودواعينا لوجود العباقرة والأذكياء بيننا قائمة، حتى يتفكرون، يُحللون، أو حتّى يتقصون في البحث عن المجرمين؟!، ومن هو المجرم آنذاك، نحنُ الذين تقبّلنا تلك التقنيات وجعلنا لها مكاناً في وسط مجالسنا وفي بيوتنا وبين قلوبنا أيضاً، بل وحتى مع الأموات؟، أم أنّ تلك الجمادات التي خلقنا لها وظائف ومهام هي المذنبة؟!

 وبالرغم من أنّني في كل مرة أشاهد فيها حلقة واحدة، أقسم أيماناً مغلظة بأنّ لا أعود أشاهد ذلك المسلسل الكئيب الذي يجعلني أطبق على نفسي، ويجعل عقلي يغوص في دوامة لانهائية من الأفكار، ورحلة لاوجودية قلِقة ومليئة بالحيرة، إلا أنّني بعد مرور فترة لا بأس بها من الزمن، أجد يدي تخونني لتقوم بمعاودة الكرّة.

أُصنف هذا المسلسل كنوع من الذنوب الجميلة أو ما يُطلق عليه "Guilty Pleasure"، أشعر بتأنيب ضمير ومن ثمّ أعود لذات الذنب، أو ربما هو الإبداع، فالنفس تألف وتحب كل شئ متميز حتى وإن كان سوداوياً تشاؤمياً، بل وقد ترى التشاؤم وسيلة تقودها إلى هدف محدد، حسبما ذكر بعض الباحثون في جامعة شيفيلد البريطانية!.

اللافت للنظر في هذا المسلسل أنّ حلقاته منفصلة فلا يستدعي منك إضاعة الكثير من الوقت للوصول إلى الفكرة التي يُريد الكاتب إيصالها إليك، ففي أقل الحلقات رعباً أو أكثرها، ستصل لذات المغزى، وبأسلوب ساخر وقاتم يعتمده الكاتب وفريق الإخراج، والكثير من اللقطات المفاجئة والأحداث المباغتة، ستنتابك القشعريرة والهلع، وستُدرك أنّ تفاعل البشر مع التكنولوجيا الحديثة قد تجعل منهم كائنات قابلة للتلاشي والتجرد من أي قيمة، عمّا قريب!، أم أنّك ستُدرك النقيض من ذلك، بأّننا نحن البشر، في طبيعتنا لا نحمل أي قيّم ومبادئ، وما إنّ نجد ما يُحفز تلك الرغبات السلبية لدينا، ننساق إليها مباشرة!

جديرٌ بالذكر أنّ شركة (سوني) العملاقة، تعمل على تطوير ذات العدسات التي تمحورت حولها قصة الحلقة الثالثة من الموسم الأول، كذلك الصين ستُطبق نظام تقييم اجتماعي مشابه، إن لم يكن مطابق لما رأيناه في الحلقة الأولى من الموسم الثالث. كلٌ ما سبق، ألا يجعل خوفنا منطقياً من تلك الرسائل التي يبثها هذا المسلسل؟!