نادرًا ما تستهويني المسلسلات، خاصة تلك التي يُأقْلِمُها كُتابُها لتخرج على الطريقة الرمضانية المعتادة بجعلها في ثلاثين حلقة. لكن كيف لا يتحوًّل الهوى أمام عمل يعتبر منتهى التشارك بين العملاقين يحيى الفخراني ممثّلًا وعبد الرحيم كمال كاتبًا. لذلك أنهيت بالأمس مشاهدتي الثالثة لمسلسل ونوس، وهو مسلسل رمضاني درامي، يمكننا تصنيفه كعمل فني أخلاقي (واقعي).

ودعونا نسلط الأضواء على بعض جماليّاته التي فارق بها غالب الأعمال الرمضانيّة، ودفع غالبية النقّاد للثناء عليه.

بدايةً الحبكة الواقعية:

فالناس على اختلاف ثقافاتهم واعتقادتهم، يشتركون في مفاهيم بدائيّة/أوليّة عن الخير والشر والحياة، هذه المفاهيم صمدت عبر الأزمان على سطحيتها وركاكتها؛ لما تمثله من واقع حي ملموس. لذلك سيجد كل مشاهد لهذا المسلسل نقاط تماس كثيرة بين أحداثه وحياة المشاهد اليوميّة.

وهذه جمالية متبعوه بجماليّة أرقى أحب تسميتها البنية التداخليّة للعمل الفني. وتتمثل في استحضار كم هائل من التراث البشري، من معتقدات وأساطير وفلسفات، وتصدير صورة رمزيّة واحدة تعبّر عن الجميع.

لكن ما قيمة ذلك؟ قيمته أن المنتج النهائي يمكننا النظر إليه كالبصلة، لها قشرة واضحة (صراع تقليدي بين الخير والشر) ثم العديد من الطبقات الداخلية التي لا يمكنك إدراكها بمجرد التمعن الخارجيّ؛ بل يلزمك سكينًا (أدوات معرفيّة) تساعدك على الوصول إلى هذه الطبقات. حينها ستجد أن المشاهدة الأولى لهذا العمل والأعمال المشابهة ليست كافية أبدًا.

لكن هل إدراك هذا التداخل خاص بالنقاد أو المختصين؟ كلا؛ فحين يشتبك المشاهد العادي مع هذا التكثيف، سيرغمه السياق في كل مشهد أن يلتقط الجمالية التي يراها في بيئته، فحتى وإن اكتفى بالنظر للقشرة سيجد فيها عبقًا من الطبقات الداخليّة.

وعليه؛ لا أرى أبدا إمكانية الاستمتاع بهذا المسلسل وأقرانه داخل الشهر الكريم. أخبروني هل تفضّلون مشاهدة الأعمال الرمضانيّة أثناء عرضها أم بعد انتهاء الشهر الكريم، ولماذا؟

 جمالية أخرى غالبًا ما تغفل عنها الأعمال العربيّة عموما، هي الموسيقى التصويريّة الرائعة التي تساعد المشاهد -من جميع الفئات- على تفهم سير الأحداث، دون الحاجة لرصيد معرفي كبير.