هذا اقتباس قيّم من الكتاب الرائع "المغالطات المنطقية" لعادل مصطفى بعنوان "كارل بوبر: مذهب التكذيب":

"كان كارل بوبر مناوئًا لفكرة أن المعرفة العلمية تتراكم عن طريق تأييد الفرضيات أو تحقيقها. وفي تصور شديد الاختلاف والجِدَّة لديناميكية العلم ذهب بوبر إلى أن الفرضيات لا تكون جديرة حقًا بالقبول ما لم تكن قابلة للتكذيب. كانت فكرته مدمرة وبسيطة: من السهل أن تجد أمثلة مؤيدة للفرضيات, سهولة تجعل من المستبعد أن يكون هذا هو الطريق الصحيح. تأمل مثلًا فرضبة بسيطة مثل: "جميع النباتات تتكاثر جنسيًا". فإذا كان كل ما يلزمني هو الشواهد المؤيدة لذلك, فإن بميسوري أن أهرع إلى الحديقة وأكتشف أن جميع الزنابق الستمائة وأربع وستين تتكاثر جنسيًا وجميع البنفسجات التسعمائة وثلاث وخمسين تتكاثر جنسيًا وهلم جرًا. وسرعان ما يجتمع لديً عدد هائل من الأمثلة الموجبة. ومع ذلك فلو اطلع أي عالم نبات على عملي فلن بأبه له, لأننني لم أحاول أن أجد مثالًا "مفنّدًا". لم أنظر إلى حالات يمكن أن تكون "أمثلة مضادة" counter-examples. فقبل تبني أي فرضبة ينبغي علي أن أفحص كثيرًا من الأنواع المختلفة من النباتات المزهرة, وأن أفحص الأعشاب والسراخس, وبعامة, يجب علي أن أحاول جهد ما أستطيع أن "أكذّب" falsify النظرية.

تأمل فرضية أخرى, وهي الفرضية القائلة بأن "منطقة بروكا" هي التي تتحكم في إنتاج الكلام. فلكي يبرهن المرء على هذه الفرضية فلن يكفيه أن يعثر على ارتباط موجب بين حالات تلف منطقة بروكا وبين فقدان الكلام. فلا بد للمرء أن يكشف ما إذا كان هناك مرضى بتلف في منطقة بروكا بدون فقدان للنطق, وأن يكشف ما إذا كانت هناك حالات فقدان نطق مع تلف في مناطق أخرى. عندئذ سيكون الفشل في التكذيب ذا دلالة, بعكس تجميع الحالات المؤيدة. تفيد دعوى بوبر أن العالم إذا قبل الفرضيات عن طريق إيجاد أمثلة مؤيدة فسوف ينتهي به المطاف إلى قبول مالا يحصى من الفرضيات الكاذية والسير في ما لا يحصى من الطرق المسدودة. أما إذا ظفر بفرضية صمدت لمحاولات عنيفة لتكذيبها, فعندئذ يمكنه قبول هذه الفرضية, لا باعتبارها صادقة, ولا باعتبارها مؤيَّدة, بل باعتبارها أفضل فرضية متاحة حتى الآن.

يمكننا أن نفسر العلاقة المنطقية بين التحقيق والتكذيب كما يلي: تتنبأ النظرية القائلة بأن الدببة القطبية يجب أن تكون بيضاء بأن الدب الذي سأراه في المرة القادم سيكون أبيضًا. فإذا حدث أن كان الدب القادم أبيض حقًا فقد يغريني ذلك بأن أقول إن مشاهدتي هذه تؤيد النظرية. ولكن الحقيقة أن هذه المشاهدة لا يمكن أن تعد برهانًأ نهائيًا على صدق النظرية. ذلك لأن هناك احتمالًا سيظل قائمًا أبدًا بأن يأتي دب قادم من رتل الملاحظة غير أبيض. وإذا حدث هذا تكون هذه الملاحظة وحدها كافية لتكذيب النظرية بصفة نهائية. هكذا يتبين لنا أن التأييد لا يحسم أمر النظرية بينما التكذيب يمكن أن يكيل للنظرية ضربة واحدة قاضية.

التكذيب إذا, وليس التأييد, هو معيار العلم."