في خضم بعض النّقاشات هنا على I/O اطّلعت على بعض التّعليقات تقول أنّ الجاذبية ليست نظريّة بل قانونا و لا داعي لمقارنتها بنظريّة التطوّر كون الجاذبية حقيقة.. لذلك أحببت أن أشارك هذا الموضوع لشرح متى نقول نظريّة الجاذبية و متى نقول قانون الجاذبية.

لا يمكن أن تُرصَد الجاذبيّة مباشرةً، لذلك، يُستدلّ على خصائصها برصد تأثيراتها. وقد اتّضح أنّ هذه التّأثيرات يمكن التّنبّؤ بها بدقّة عالية إن قمنا بتحديد ظروفٍ مُعيّنة. بِقَولٍ آخر: هناك قوانينُ تصف سلوك الأجسام تحت تأثير الجاذبيّة. فأوّلًا، يُمكن أن توصف القوّة الّتي تبذلها الجاذبيّة كحاصل ضرب كتلة الجسم بتسارعه: وهذا معروف بـ قانون نيوتن الثّاني للحركة. وعلاوةً على ذلك، ينصّ قانون نيوتن للجاذبيّة الكونيّة على أنّ قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثر على جسميْن تتناسب طرديًّا مَعَ حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيًّا مع مربّع المسافة بين مركزيهما. بمعنًى آخر، إنْ حدّد شخصٌ كتلةَ جسميْن والمسافة بينهما، فإنّه سيتمكّن من حساب قوّة الجذب الّتي سيكونان خاضعيْن لها بدقّة، والسّلوك الّذي سيتبعانه نتيجة لذلك. إنّ الانحرافات الموجودة في مدار أورانوس (Uranus)، استنادًا إلى قوانين الفيزياء، سمحت للعلماء بالتّنبُّؤ بوجود وموقع جسم آخر هائل الكتلة – الجسم الذي نتكلّم عنه هنا، هو كوكب نبتون (Neptune)، وقد اكتُشِف عام 1846 ضمن درجة واحدة من موقعه المُستَنتَج.

بالطّبع، إنّ تقدير ووصف وحتّى التّنبّؤ بتأثيرات الجاذبيّة لا يفسّر الكيفيّة الّتي تعمل بها هذه الظّاهرة، أو لماذا تملك الخصائص الّتي تمتلكها. القوانين والحقائق غير كافية لفهمٍ عميقٍ للجاذبيّة، ولتحقيق هذا الأمر، فيلزمنا تفسير شامل مدعوم بالأدلّة وقابل للاختبار ومتّفق مع كلّ الحقائق المعروفة عن الجاذبيّة – بمعنًى آخر، إنّنا نحتاج نظريّة. اقتُرحت نظريّات عديدة عن الجاذبيّة، والعديد منها فشل في الاختبار أو اصطدم بعدم توافقٍ مع الحقائق المعتمدة، ولذلك قد رُفِضت. النّظريّة الحاكمة الآن هي نظريّة آينشتاين في النّسبيّة العامّة، والّتي تُفسّر الجاذبيّة باعتبارها نتيجة لانحناء الزّمكان (space–time)، أو النّسيج الكونيّ، بفعل الكتلة. واستمرّ نجاح نظريّة آينشتاين إلى اليوم، وذلك لأنّها تمكّنت من تفسير المشاهدات الّتي فشلت النّظريّات الأخرى في تفسيرها (مثل نظريّة نيوتن). ومثال على تلك المشاهدات هو مدار عطارد (Mercury) وانحناء الضّوء بفعل الكتلة. في الحقيقة، كان هناك اختبار للمشاهدة الآخيرة (انحناء الضوء) أثناء كسوف عام 1919، والّذي حدا بآينشتاين إلى أن يصبح مشهورًا عالميًّا.

اختبار النّسبيّة، كأيّ نظريّة أخرى في العلم، مستمرّ إلى الآن. ومن الجدير بالذّكر أنّ كرامر (Kramer) وآخرين عام 2006 اقترحوا استخدام نظامٍ نابضٍ نجميّ ثنائيّ (double pulsar system) كمُرشّح جيّد لاختبار نسبيّة آينشتاين العامّة والنّظريّات البديلة للجاذبيّة. الحقيقة أنّ نظام تحديد المواقع العالميّ، أو اختصارًا الـ(GPS)، لم يكن ليعمل لولا التّصحيحات الّتي ألحقتها به النّظريّة النّسبيّة، ولذلك هو يُمثّل تأكيدًا غير مباشرٍ على صحّتها.

مصدر

evolutioninarabic.com