قد يبدو الأمر بديهيا لنا جميعا عندما نتحدث عن المفهوم الفيزيائي لكلمة " القوة " فهي تمثل بالنسبة لنا التأثير الذي تطبقه الأجسام على بعضها مما يجعلها تأخذ وضعية معينة بعد فترة زمنية محددة.

لنأخذ مثال على ذلك :

عندما نرمي جسم في الماء يطفو على السطح : نقول أن سطح الماء أثر على الجسم فمنعه من السقوط، أي طبق عليه قوة تدفعه نحو الأعلى تسمى بدافعة أرخميدس [1].

في الحقيقة مفهوم القوة أوسع بذلك بكثير و قد مر بتغيرات عديدة إلى أن وصل كما نعرفه اليوم، ما ساكتبه اليوم هو الجزء الاول لشرح القوى الأربع المفسرة لكل الظواهر الكونية، و تطور نظرة الإنسان لها على مدى التاريخ .

البشر بصفة عامة عبر التاريخ وعت مثل هذا المفهوم و بدا لهم بديهيا كما هو ظاهر لنا، لكن قلة منهم من دفعها حب المعرفة لتفسير مثل هته الظواهر.

غاليلي Galilée في دراساته للسطح المائل و السقوط الحر مثله مثل الكثيرين الذين درسوا حركة الأجسام تطرقوا لهذا المفهوم، وحاولوا نمذجته بمعادلات رياضية لكن دون تسميته بقوة. قبلهم بزمن أيضا ارخميدس Archimède في دراساته لحركة البكرات استعمل مفهوم الثقل للتعبير عن التأثير الذي يطبقه الحبل على الجسم الناتج عن جذب الأرض للجسم، لكن أول من تطرق ضمنيا لمفهوم القوة هو سيمون ستيفن Simon Stevin في دراساته لحركة الأجسام و تحديدا دراسات ارخميدس إذ لاحظ أن الثقل - التأثير المتبادل بين الأرض و الأجسام - يخفي وراءه ما هو أعم و اشمل [2] .

بمجيء نيوتن Isaac Newton و في كتابه المبادئ -Philosophiae naturalis principia mathematica- وضع لأول مرة التعريف الدقيق للقوة و المستعمل ليومنا هذا كنموذج للتأثيرات التي تحدث في الكون بين مختلف مكوناتها [3].

الحديث عن القوة يقودنا للحديث عن كل ما نراه و نلاحظه حولنا :

مرونة الأشياء، الضغط الجوي، الاحتكاك بين جسمين، سقوط الأشياء وحركة الأرض حول الشمس، المغانط، استعمال البوصلة، الكهرباء، البرق المرفق بالصاعقة، الألوان، وحتى انجذاب الأوراق الصغيرة للمسطرة كما كنا نفعل في صغرنا...إلخ هذه الظواهر شكلت ألغازا لطالما انتبه العلماء عبر التاريخ لقواسمها المشتركة، فما جمعه نيوتن من أعمال و قياسات سابقيه ( كبلرJohannes Kepler على سبيل الذكر ) جعلته في سنة 1687 وفي نفس الكتاب السابق يؤكد أن سقوط الأشياء و حركة الكواكب حول بعضها ما هي إلا نتيجة لقوة موجودة بين كل الأجسام باختلاف كتلها، عبّر عنها في قانونه الشهير: قوة الجاذبية [4]

نفس الشيء كولومب Charles-Augustin Coulomb عندما أكد أن هناك ما لا يمكن تفسيره بقوة الجاذبية، وأنه حتما توجد قوة أخرى تفسر التنافر و التجاذب الملاحظ، فأعلن سنة 1785 بناء على القياسات التي جمعها أن هناك قوتين أخريين شبيهتين بقوة الجاذبية تعودان أساسا للتكهرب و التمغنط [5] التي تتميز بهما المادة : القوة الكهربائية و القوة المغناطيسية .

في بداية القرن التاسع عشر وتحديدا افريل 1820 و في درس لهانز أورستد Hans Christian Ørsted يلقيه على تلاميذه، بتجربة بسيطة لاحظ أن القوتين مرتبطتين، و أن هناك تأثير متبادل بينهما و هو الذي مهد لامبير André-Marie Ampère وبعده فاراداي Michael Faraday أن يدرسا هذا التأثير المتبادل دراسة معمقة مكنت في الأخير مكسويل James Clerk Maxwell بمعادلاته الشهيرة أن يشرح القوة الكهرومغناطيسية [6].

عودة إلى المثال السابق، في الحقيقة قوة تأثير الماء على الجسم يكمن خلفها تساؤلات عديدة: هل نعتبر دافعة أرخميدس قوة من القوى الرئيسية في الكون ؟ إذا كان الجواب بالنفي فأين يظهر تأثير القوتين الجاذبية و الكهرومغناطيسية ؟ و هل توجد قوى أخرى لم نعرفها بعد ؟ إذا أردنا النظر مجهريا إلى الماء و الجسم كيف نفسر التأثير المتبادل بين مكوناتهما؟ مثل هذه الأسئلة تقودنا إلى أسئلة أخرى : مما تتمكن المادة مجهريا ؟ هل هناك جزء صغير لا يتجزأ ؟

سنحاول الإجابة عن كل ما سبق في الجزء الثاني .

هذه اول مشاركة لي في مجتمع حسوب اسعد كثيرا باضافاتكم و اسئلتكم و نصائحكم .

[1]

[2]

https://goo.gl/6fiSug

[3]

https://goo.gl/VyLq3Z

[4]

https://goo.gl/wsa0nj

[5]

https://goo.gl/rMO0CF

[6]

https://goo.gl/khWQ7U