ما الأثر الذي أضافه العصر الاسلامي لعصرنا الحديث في مجال العلوم والتطور ؟

حقيقة لست من هؤلاء المتفاخرين بشيء لم نسهم فيه ولست من أنصار التباكي على الأطلال، ولكن وقوفا عند بعض الحقائق وإظهارا لأمور بات تخفى أو تمحى عن عمد ويستبعد تسليط الأضواء عنها بقصد وبخط ممنهج، وكأن هناك من يريد أن يسلخنا عن تاريخنا ويوجه نظرنا بعيدا عن ذلك التاريخ المشرق وهذه الحقبة التي حملنا فيها شعلة العلم والتقدم والحضارة للعالم .

باتت وسائلنا الإعلامية العربية قبل الغربية، والمحلية قبل الدولية تملأ رءوسنا ليل نهار بهراء ومعلومات مكذوبة حول هذه الحقبة التاريخية والعصور الذهبية في التاريخ الإسلامي فتارة تصورها فترات من الظلام والتخلف حيث ينتشر القتل والمرض والجهل وتصور فيها المسلمين على أنهم جماعات بربرية تهاجم البلدان لتحتلها وتنهب خيراتها وتسودها قهرا، أو تصورها على أنها فترة ينتشر فيها الملوك والسلاطين الغارقين في المجون والشهوات ينفقون ببزخ وسرف على الشعراء والأدباء والمنافقين وتنابلة السلطان، فلو راجعت أفلامنا ومسلسلاتنا وكل ما يلمس هذه الفترة في الإعلام من ذكر فتجد تصوير هذه الفترة على حالتين لا ثالث لهما؛ فإما جماعات بربرية همجية متخلفة وإما عصور غارقة في الشهوات والمجون بين الجواري والغلمان " عصر حريم السلطان " ونسوا أن هؤلاء ما كانت لتخضع لهم الأرض من جبال الألب بفرنسا وحتى حدود الصين إلا بعد أن بلغوا مبلغهم من الحضارة والرقي والعلوم وبعدما تجردوا من شهواتهم ليسودوا العالم كفاتحين عظام لازالت تتليء صفحات كتب التاريخ بهم.

وحتى نكون أكثر إنصافا فإن غياب المسلمين على الإضافة للموروث الحضاري العالمي لقرون عديدة ساهم بشكل كبير في تثبيت هذه الصورة كما تبدو للرائي بأن كل الإختراعات والعلوم وما نحن فيه من حضارة وتقدم اليوم هو من صنع الحضارة الغربية وفضلها، وإن كنا نقر بذلك ونقر أيضا بحجم التخلف والظلام الذي نقبع فيه نحن المسلمين اليوم فأننا نقر أيضا للتاريخ الإسلامي بأن أثره لا زال له الفضل حتى الآن، ولا ينكر أثره على كل ما نحن فيه اليوم من علوم وتقدم وحضاره وأن إسهامهم كان جزلا بالشكل الذي يجعل الأعداء قبل الأصدقاء يقرون به ويثبتوه.

ما دفعني لكتابة هذه المشاركة هو مشاهدتي منذ فترة طويلة لفيلم "ألف اختراع واختراع ومكتبة الأسرار" من بطولة الممثل العالمي "بن كنغزلي" والذي حصد جائزة " أفضل فيلم تعليمي" في مهرجاني كان ونيويورك السينمائيين، والذي تم تحميله من الانترنت أكثر من 22 مليون مرة وهو يتحدث عن العصر الذهبي للحضارة الاسلامية ومدى اسهامهم في وضع حجر الأساس لما نحن عليه اليوم من علوم وتقدم ، وهناك معرض عالمي باسم ألف اختراع واختراع له موقعه على الانترنت الذي يغطي فعاليات الحدث المستمرة.

هذه النسخة الانجليزية للفيلم

وهذه النسخة المترجمة

يستعرض الفيلم خمسة من عظام العلماء في تاريخ الحضارة الاسلامية كابن الهيثم الذي وضع حجر الأساس لاكتشاف الكاميرا في العصر الحديث ويعود الفضل له في كل ما ترتب عليه من اختراع الكاميرا إلى التصوير والانتاج المرئي والسينما فكل هذا كان بتفسيره لكيفية عمل العين وكيف نرى الأشياء ؟ وبمشروعه "القمرة" الذي استطاع فيه استعراض الصور على سطح آخر داخل قمرته التي عبارة عن غرفة صغيرة مظلمة بها فتحة صغيرة تدخل الضوء.

استعرض الفيلم أيضا عباس بن فرناس ومحاولاته للطيران وكيف كان له السبق مع أن تاريخنا الحالي لا يذكر عباس ويعطي الفضل كاملا للأخوان برات رغم أن محاولات عباس قبلها بآلاف السنين، ويذكر أيضا القاسم الزهري أبو الجراحة والذي لا ينكر فضله لليوم، كذلك كان للمرأة دور فهناك مريم الاسطرلابي رائدة علم الفلك وأخيرا الجزري المهندس البارع.

هناك الكثيرين ممن ذكرهم لنا التاريخ وممن كانت لهم اسهامات جلية كابن سينا في الطب والقانون والرازي أشهر أطباء العرب، والخوارزمي الذي أسس لعلم الجبر الذي لا زال يسمى هكذا حينما كنا نصدر للعالم مصطلحاتنا وعلومنا، هؤلاء من ذكرتهم كتب التاريخ وإن كان عصرا يعج بكل هؤلاء مما لا شك فيه أن هناك الآلاف ممن لم نسمع عنهم من البارعين والمخترعين والمفكرين والعلماء .

*ختاما : قبل أن ننهل من علوم وحضارة الغرب وقبل أن نفكر في أن نتخذهم مضربا للمثل والقدوة ونتبع مناهجهم دون حيد، يجب أن نفكر جيدا كيف كنا أيامها وكيف صرنا إلى ما نحن عليه؟ وأن نتدبر جيدا كيف وصل أجدادنا لما كانوا عليه والذي يجعل الجميع مبهورا بحضارتهم ليومنا هذا ؟