يتفق الدين والعلم في الكثير من الامور ، ويختلفان في امور أخرى كثيرة .. وربما العصر الذي نعيشه اليوم هو عصـر المعارك الشرسة بين تدييـن العِــلم من ناحية ، وتلحيــده من ناحيـة أخرى ..

من أهم النظريات العلمية الحديثة المبهرة والممتعة ، هي نظرية ( الاكوان المتعددة ) ..

علميـاً :

النظرية ببساطة تقول أنه لا يوجد كون واحد ، بل عدة أكوان ، كل كون به أرض مثل أرضنـا .. ولكن بظـروف وقوانين مختلفة..

العلمـاء شطحوا أكثر ، وافتـرضوا أن كل أرض من هذه الاراضي في كل كون موازي به شخص شبيه بك بالضبط .. فقط ظروفه اختلفت ، فمن الممكن أن يكون مزارعاً بينما أنت مهندس هنا .. أو أن تكون في كون آخر مليارديراً .. وربمـا فرنسيـاً تعيش حياتك كلها في قرية ريفية بالقرب من مدينة على الساحل الفرنسي ..

لسنوات طويلة كانت ( الأكوان المتعددة ) نظرية ممتازة لأفلام ومسلسلات الخيال العلمي ، إلا أنها – مع التطور العلمي – أصبــح لها وجاهة قوية جداً في عالم الفيزياء والفلك ، لدرجة أن بعض العلمـاء يبحثون في ( كم عدد هذه الأكوان ) ، متجــاوزين مصـداقية النظرية نفسها ، ويتعاملــون معها باعتبارها من المُسلّمــات التي تتطـابق مع المنطق العلمي !

شاهد هذا الوثائقي العلمـي يشـرح النظرية بطريقة مبسّطة وشيّقة :

دينيـاً :

في الإطار الديني ، نجد أن الإسلام تحديداً يضع تصوراً مُلفتـاً بخصوص الوجود ، يمكن أن يكون قريباً الى حد ما مع نظرية الأكوان المتعددة ..

ففي آية صريحة :

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا "

وما تلا ذلك من الواقعة الشهيـرة ، عندما سأل أحدهم الصحابي ( عبدالله ابن عبّاس ) - رضي الله عنه - عن تفسيـرها :

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) سورة الطلاق آية 12، مَا هُوَ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى إِذَا وَقَفَ النَّاسُ , قَالَ لَهُ الرَّجُلُ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُجِيبَنِي ؟ ، قَالَ : " وَمَا يُؤْمِنُكَ أَنْ لَوْ أَخْبَرْتُكَ أَنْ تَكْفُرَ ؟ " ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي فَأَخْبَرَهُ ، قَالَ : " سَمَاءٌ تَحْتَ أَرْضٍ وَأَرْضٌ فَوْقَ سَمَاءٍ مَطْوِيَّاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ يَدُورُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَدُورُ بِهَذَا الكِرْدَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْغَزْلُ" [تتمته إلى] "سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى" (وقال البيهقي عقبه : إسناد هذا صحيح عن ابن عباس).

" ما يؤمنك إن أخبرتك أن تكفر ؟! "

وهو ما يشير مجازاً الى أن التفسيــر كان سيجعل السائل يشكك في الدين برمّته لأنه لم يكن مقبولاً او معقولاً فهم تصوّر كهذا فى عصــر كهذا ..

شاهد جزء من محاضـرة عدنان إبراهيم بخصوص هذا التصوّر من الناحية الدينية ، العلمية :

الحقيقة أن هذه النظرية من أكثـر النظريات التي اخذت مني تفكيراً مطوّلاً فيما يخص الكونيات عموماً .. بعيداً عن كونها مثيرة وخياليـة - وكـل العلم الحالي وليد خيال في الماضي - ، إلا أنها قد تشعرك بالإرتباك أيضاً ..

إرتباك بخصوص إنهيار التفرّدية التي ننادي بها دائماً .. إرتباك بخصوص : من الآخر الذي يمثلني ؟ .. كم عدد ( الآخرين ) الذين يمثلونني بظروف مختلفة ؟ ..

الامر - علمياً - مازال في محل النظرية ( وإن كان إجماع العديد من العلماء يجعلها نظرية قوية ) .. ودينيـاً ، مازال الامر في محل التفسير ( وإن كان تفسير صحابي بمكانة عبدالله ابن عبّاس يعطيه قوة في المعنى ) ..

أما خيالياً ، فهـو من أمتع الأفكـار التي يمكن تراود عقول البشر حتى لو كانت مُربكة - برأيي الشخصي - ..