"اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم": دعوة للاستعداد لمواجهة التحديات

عبارة "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم" تُعد من الأقوال الحكيمة التي تحمل في طياتها معاني عميقة تُحث الإنسان على أن يتعلم من تقلبات الحياة، ويستشعر قيمة النعم في كل وقت، مع الاعتراف بأنها لا تدوم إلى الأبد. هذه العبارة تحمل دعوة للاستعداد لمواجهة التحديات والصعاب عندما تهب الرياح العاتية، وتُذكر الناس بأن النعم ليست مستمرة في حياتهم دون انقطاع، وأنها تتغير وفقاً لإرادة الله تعالى.

أصل المقولة وحكمتها

العبارة وردت عن الصحابي الجليل عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه في سياق حديثه عن الزهد والتواضع. دعوة "اخشوشنوا" تعني أن يُحاول الإنسان أن يتعود على العيش ببساطة، والتقليل من الترف، وعدم التعلق بالأمور المادية التي تزول مع الزمن. فالنعم من أموال وصحة وراحة هي مؤقتة وقد تزول في لحظة، ولذلك يُشدد على ضرورة التحلي بالقوة الداخلية والاستعداد لمواجهة تقلبات الحياة.

قيمة النعم في الإسلام

في الإسلام، يُعتبر كل شيء في الحياة نعمة من الله تعالى. يقول الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم:

"وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" (النحل: 53).

النعمة هي كل ما يُعطيه الله للإنسان من خير، سواء كان ذلك في الصحة، المال، الأمان، أو العلاقات. ولكن الإسلام يحثنا على أن نتذكر أن النعم ليست ملكاً لنا، بل هي أمانة من الله. فالتعلق المفرط بالنعمة أو الاعتقاد بأنها ثابتة يمكن أن يؤدي إلى التكبر والغفلة.

أهمية التوازن في الحياة

الرسالة الأساسية في "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم" هي ضرورة التوازن في الحياة بين التمتع بما أنعم الله به علينا وبين التواضع و الاستعداد للفقد. ذلك لا يعني أن يعيش الإنسان في حالة من التشدد أو الانقطاع عن متع الحياة، بل هو دعوة لتقدير النعم دون التفاخر أو الإفراط في التمتع بها.

فمن خلال التقدير الواعي للنعمة، يصبح الشخص أكثر استعداداً لمواجهة التحديات التي قد تواجهه في المستقبل. فالعيش في رفاهية دون إقرار بوجود التحديات في الحياة قد يؤدي إلى الغرور، بينما يجعل "الخشونة" النفسية والشخصية الإنسان أكثر استعداداً للصبر والتحمل.

تعلم من النعم وفقدانها

إن تقلبات الحياة تُمثل دروسًا تعلمنا كيف نُقدر النعم. إذا كنت في مرحلة من الحياة تتمتع فيها بالصحة أو المال أو النجاح، فإن ذلك لا يعني أن هذه الحالة ستدوم إلى الأبد. فكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِكُلِّ نِعْمَةٍ حَقًّا" (رواه البخاري).

الحق الذي يترتب على النعمة هو الشكر لله على ما أنعم به علينا، وكذلك الاستعداد لمواجهة الزمان إذا تقلبت الحال. ففي فترات الشدة والفقد، يمكن أن يستحضر الإنسان هذا التوازن الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصبر على البلاء و الشكر عند النعم.

كيفية الخشونة في الحياة اليومية

الخشونة هنا لا تعني القسوة أو الكآبة، بل تدعو إلى البساطة و القناعة. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن للإنسان أن يعيش بها حياة خشنة:

الاستغناء عن الترف: عندما نتعود على العيش ببساطة، ونتجنب التعلق بالماديات، فإننا نصبح أقل تأثراً بفقدانها.

الزهد في الدنيا: بمعنى أن لا نعيش للأشياء الدنيوية فقط، بل نعمل من أجل الآخرة ونعتاد على التقليل من شهوات النفس.

الاستعداد لتقلبات الحياة: بالاعتماد على الله في الرخاء والشدة، والاعتراف بأن الدنيا لا تدوم على حال.

الاعتراف بالقليل: تعلم القناعة بما نملك والتقدير لما لدينا من نعم، مع الابتعاد عن المقارنات والتطلعات غير الواقعية.

النعم لا تدوم: تذكير بالآخرة

النعم التي نشهدها في الدنيا هي زائلة، وما بقي لنا هو العمل الصالح والإيمان. فعندما نعيش حياتنا على النحو الذي يرضي الله تعالى، نكون قد سلكنا طريقاً يؤدي إلى نعيم لا زوال له. قال تعالى:

"وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" (القصص: 60).

إذا تذكرنا هذا، سنقدر النعم الموجودة في حياتنا بشكل أعمق، ونعيش بطمأنينة أكبر رغم التغيرات التي قد تطرأ على حالنا في المستقبل.

خاتمة

عبارة "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم" تذكرنا بتقلبات الحياة وحقيقة زوال النعم. إنها دعوة للعيش بتوازن بين الاستمتاع بما أنعم الله به علينا وبين الاستعداد لمواجهة التحديات والبلاء عندما يأتي. من خلال تعلم القناعة و التواضع و الصبر، يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالسكينة والرضا، مهما تغيرت ظروفنا.