في صفحتي السيكولوجية على الفيسبوك

"لنفهم أنفسنا ونفهم الآخرين"

الكثير يراسلني ليتحدث عن مشكلته مع العلاقات العاطفية والجنس فهناك من يئس وهناك من فقد الأمل وهناك من يرى أن الفتيات في مجتمعنا متكبرات وأن فتيات المجتمع الأوروبي أجمل منهن ومع ذلك أكثر منهن تواضعاً.

في الحقيقة لا أعرف هل فعلاً فتيات مجتمعنا أكثر تكبراً من المجتمعات الأخرى أم لا، لأن الجواب القاطع على هذا السؤال يحتاج لدراسة سيكولوجية تقارن بين سلوكيات الفتيات في كلا المجتمعين.

فحتى لو قمنا بدراسة ووجدنا أن فتيات مجتمعنا أكثر كبرياء وتكبر من فتيات المجتمعات الأخرى، فإن ذلك يعني أنهن ضحايا مجتمع ذكوري مكبوت بسبب نظرته المشوهة للجنس، مجتمع الذكر فيه يظن أن قيمته أو رجولته تكمن في قيامه بأكبر عدد ممكن من العلاقات، فهذا ربما سيجعل الفتيات يتم عليهم تنافس كبير من طرف ذكور مجمتع محروم جنسيا وهو ما يجعلهم يتصرفن بشيء من الكبرياء كردة فعل على ما يرونه من تعطش كبير على الجنس والعلاقات.

فيمكن كذلك أن لا يكون تكبر بل نوع من الحيرة النفسية أو cognitive dissonance بين الإلتزام بقيود المجتمع من جهة، والحرية الجنسية في العلاقات من جهة أخرى.

1) الزواج لا يجب إعتباره معيار للنجاح:

الزواج يعتبر هو معيار نجاح الفتاة في مجتمعنا.

بينما الإستقلال المادي والنجاح في العمل يعتبر هو معيار نجاح الفتاة في الغرب وليس الزواج.

إن الزواج لا يجب أن يتم إعتباره معيارا للنجاح لدى الفتيات لأنه ليس إنجاز كبير في حد ذاته، فالفتاة لا تحقق فيه أي شيء خارق للعادة بل يأتيها عريس يختارها للزواج بدون تعب منها.

ومن جهة ثانية إذا إعتبرنا الزواج معيار لنجاح الفتاة فهذا حتماً يعني أن جميع العوانس في العالم اللواتي لم يتزوجن فاشلات وهذا أمر غير منطقي.

كما أنه إذا تم إعتبار الزواج هو معيار النجاح فإن نظرة المجتمع للفتيات العوانس والمطلقات ستكون نظرة إستحقارية، مما قد يجعل الكثير من الفتيات يستمرن في علاقات مؤذية وغير صحية فقط لكي لا يتم النظر لهم نظرة سلبية من طرف المجتمع، فهل يعقل أن تصبر الفتاة على الإساءة النفسية والجسدية والعنف النفسي والجسدي من طرف زوج نرجسي مثلاً فقط لكي لا يتم النظر لها نظرة المطلقة؟ أكيد لا.

2) التناقض الإجتماعي الذي سببه لنا غياب الحرية الجنسية والإجبار على التحفظ:

نستحضر هنا المقولة الشهيرة لعالم الإجتماع الكبير علي الوردي حينما قال أن التناقص الإجتماعي كامن في أعماق الشاب العربي فهو يقضي شبابه في أفانين الغرام والعلاقات العاطفية لكن بمجرد أن يقبل على الزواج فإنه يتزوج على طريقة المجتمع أي أنه يريدها عذراء لم يمسسها قبله أحد، رغم أنه كان من قبل يرتبط بالكثير من الفتيات ويمارس معهم علاقات جنسية.

لكن هذا التناقص ليس موجود في سلوك الذكور فقط، فحتى الإناث معظمهم يقضي عدة سنوات في العلاقات العاطفية والجنسية قبل أن ينتقل إلى الزواج، ففي أول ليلة في الزواج قد تجد بعضهم يضعن غشاء بكرة إصطناعي لكي يظهرن عذريتهم ولو بشكل زائف، لكنهم يجهلون بأن العلم والمختصين الجنسيين يقولون بأن غشاء البكارة لا يمكن أبداً أن نعرف من خلاله هل الفتاة عذراء أم لا، حتى لو سال منه الدم في ليلة الدخلة. والإناث يختلفن في حجم غشاء البكارة كما أن بعضهم ولدوا بدونه وبعضهم يسيل دمهم في أول ممارسة جنسية والبعض لا يسيل منهم الدم في أول ممارسة، وهناك أشياء لا علاقة لها بالجنس يمكن أن تمزق غشاء البكارة مثل ممارسة بعض الرياضات وإستعمال منظفات الفرج من دم الحيض.

لكن هذه النظرة الخاطئة الموجودة لدينا حول العذرية لا ترجع للإناث بقدر ما ترجع لجهل المجتمع بالأمور الجنسية وظنه بأن غشاء البكارة يمكن أن يخبرنا هل الفتاة عذراء أم لا.

ولكي نعالج مشكلة هذا التناقض الإجتماعي الكبير لابد من القضاء على نظرة العار الموجودة لدينا حول الجنس التي جعلتنا نقدس الزواج تقديس كبير ونحرم شبابنا من التعبير عن جنسانيتهم.

هناك من سيظن أن هذا تشجيع على الإنحلال، لكن هذا في الواقع ليس تشجيع على الإنحلال بل تحذير من عواقب التزمت والتشدد والكبت وغياب الحرية الجنسية، لأن هذه الأمور نتائجها وخيمة على المجتمع.

لأن الجنس عبارة عن غريزة مثله مثل باقي الغرائز الطبيعية لا يجب التعامل معه بالتشدد والكبت والقمع والحرمان أو الإجبار على التحفظ.

3) نظرة العار تجاه الجنس:

نظرة العار تجاه الجنس مسيطرة في مجتمعنا أكثر من المجتمع الغربي، مما يجعل الفتاة في مجتمعنا حذرة أشد الحذر من الرجال وخائفة خوف مرضي على سمعتها، ذلك لأن الفتاة في الغرب تتمتع بالحرية التي لا تجعلها خائفة خوف مرضي على سمعتها، في حين أن الفتاة في مجتمعنا مجبورة بالإكراه على التحفظ والذي قد ينعكس سلبا عليها وفق القاعدة التي تقول الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وكل ممنوع مرغوب.

فذلك التحفظ الزائد والخوف المبالغ فيه على السمعة هو الذي قد يؤدي إلى درجة كبيرة من التزمت لا تطاق تجعل الفتاة تهرب من قيود المجتمع متجهة إلى سلوكيات تحررية مثل القيام بالعلاقات العاطفية و الجنسية ربما بشكل أيضاً مبالغ فيه وغير منظم وهذا ما يفسر على سبيل المثال ظاهرة إنتشار الفيديوهات الجنسية للفتيات مع عشاقهم والتي تعتبر من السلوكيات الجنسانية غير المسؤولة.

لكن لو كانت الفتاة في مجتمعنا تتمتع بالحرية التي تمتع بها الفتاة في الغرب وغير مجبورة بالإكراه من طرف المجتمع على التحفظ فمن النادر أننا سنرى سلوكيات جنسية غير مسؤولة.

وجدت دراسة أن المراهقات اللواتي ينتمين لعائلات محافظة تجبرهن على التحفظ هم أكثر عرضة للحمل والإقبال على العلاقات الجنسية بالمقارنة مع المراهقات اللواتي لا ينتمين لعائلات محافظة تجبرهن على التحفظ بل هم أحرار في جنسانيتهن.

لقد أصاب الكاتب الأمريكي مارك مانسون عندما قال أن الجنس عندما يتم ربطه بالعار أو بالشرف أو بالقيمة، تصبح الفتاة تشعر بالعار إذا قامت بعدة علاقات في حياتها، ويصبح الفتى يرى أن قيمته أو رجولته تكمن في القيام بعلاقة جنسية، وبالتالي سيقوم بجميع الوسائل لتحقيق تلك الغاية بما فيها التلاعب والإستغلال لكي ينال غايته، ومن جهة أخرى قد تقوم الفتاة أيضاً بإستغلال أنوثتها للتلاعب بالرجال كذلك، إذن كلا الطرفين ليس في صالحه هذا الأمر، ولاشك أن ظواهر التحرش والإغتصاب لها علاقة بهذا الأمر.

إذن عندما نكسر وسمة العار المتعلقة بالجنس ونعطي شبابنا الحرية في التعبير عن جنسانيتهم بدون إكراه أو إجبار على التحفظ والتستر، فإننا سنكون مستعدين لإكتساب ثقافة جنسية وبالتالي الظواهر التي ذكرنا سابقاً سوف تنقص بشكل كبير ويصبح مجمتعنا متوازن أكثر.

مشكلتنا أننا ننظر للأشياء نظرة أبيض أو أسود، عدو أو صديق، شر مطلق أو خير مطلق، تشدد أو إنحلال.

فهناك دائماً أشياء وسطى وخير الأمور أوسطها فيمكن أن يكون المجتمع متحرر جنسيا بدون أن يكون منحل أخلاقيا أو مكبوت.