حرق للأحداث

فيلم Dunkirk في رأيي، هو تحفة أخرى من المبدع العبقري كريستوفر نولان.. و بما أنّ الكثيرَ قد قيلَ حول مايميّزه، سأكتفي بعرض رأيي فيه و أتطرّق لبعض الانتقادات الموجّهة له من العديد من المشاهدين.

يعرض الفيلم الّذي تم إخراجه بطريقة مذهلة قصّته عبر 3 منظورات غير متزامنة.. و السّرد غير الخطي للقصّة [1] ( non-linear storytelling) لا يبعدُك أبدا عن زخم الأحداث الّتي تحصل أمامك على الشّاشة و هذا الزّخم لا يتوقّف أبدا من اللّقطة الأولى حتّى الأخيرة من الفيلم. و يبدو أنّ الموسيقار الشّهير هانز زيمر قد قدّم أفضل موسيقى فيلم حربي على الاطلاق.. في بعض الأحيان نغمة موسيقيّة واحد متبوعة بأصوات نبضات القلب و نبضات السّاعة و في أحيانٍ أخرى تتداخل أوركسترا فخمة مع الأحداث التي تجري على الشّاشة.. يعكسُ الفيلم بطريقة رائعة مشاعر كلّ جنديّ متواجد على الشّاطئ، الحيرة، الاضطراب و الخوف.. إنتاج الفيلم مذهل، يجعلك تشعر بالقلق طيلة عرضه. لا يوجد أيّ شخصية رئيسية في الفيلم، ولا أقول حقّا أن أحدا من الممثّلين قدّم أداء رائعا لأنّ ذلك لم يكُن ضروريا البتّة و سأشرح لماذا.

أكبر الانتقادات الموجّهة لـ Dunkirk الّتي لا ألبث إلاّ و أجدها.. هيَ أنّه لا يوجد عمقٌ للشخصيّات، ولم يقدّم الفيلم أيّ شيء يجعلنا نتعلّق بأي منها. أشعر أنّ نولان كان يحاول ( بطريقة ناجحة ) أن يجعل المشاهدين يهتمّون بكلّ جندي متواجد على ذلك الشّاطئ. بالفعل احتاجَ لأن يجعل – نوعا ما – شخصيّات رئيسية لتكون في القصّة، لكي نرى الأحداث مباشرة من منظور هاته الشّخصيات.

عادة في الأفلام الحربية ( سآخذ Saving Privat Ryan كمثال ) تتمحور القصّة حول جنودٍ معيّنين ( مثل Cpt. Miller و Ryan ) يكونون في الحرب و يشاركون فيها لكنّ القصّة تركّز عليهم و ليسَ على الحرب. في رأيي أنّ فيلم Dunkirk يروي قصّة دانكيرك، لا يركّز على شخصيّة هاري ستايلز ولا على شخصية توم هاردي بل على دانكيرك. كلّ ما كانت تحسّ به الشّخصيّات الرئيسيّة أحسّ به جميع الجنود. لجأ نولان إلى تقنيّات صناعة الأفلام دون استعمال كثير من الحوارات ليرويَ قصّة دانكيرك، لهذا وجد البعض مشاكل مع عمق الشّخصيات.. حقّا، هذا النّوع من الأحداث المروّعة ليسَ مكانا لأيّ كان ليقوم بـتوضيح تفاصيل عن الشخصّيات، بل هو حدثٌ أينَ أراد الجميع النّجاةَ وفقط، و هذا ما قام نولان بعرضه بطريقة ممتازة..

من بين الانتقادات كذلك " نقص المشاعر و الأحاسيس " في الفيلم.. أظنّ أنّ هذا تعبير خاطئٌ تماما، ربّما يقصد بذلك " نقص التآزر بين الجنود " أو المؤاخاة و الإيثار و الشفقة و الأمور الملحميّة من ذلك القبيل.. مرّة أخرى، الحنين إلى نوع " Saving Privat Ryan " من الأفلام الحربية.. ما لم يلحظه موجّهو هاته الانتقادات هو أنّه في الحقيقة لا وجود لتلك المشاعر التي يتحدّثون عنها في ذلك الشاطئ، فقط الحيرة و الخوف.. و أقول بكل ثقة أنّ نولان و زيمر و طاقم التصوير قاموا بإظهار تلك المشاعر بنجاح. [*]

و أسوء الانتقادات هي حول طريقة السّرد، الـ Parallel TimeLines .. أغلبُ من يقولُ لك أنّ الفيلم مملّ على الأرجح أنّه لم يفهم كيف تسير الأحداث.. يعرض الفلم الـ TimeLines الخاصة بالقصّة في بدايته.. 1. على المرفأ قبل أسبوع، 2. البحر قبل يوم، 3. الجوّ قبل ساعة.. لتجتمع معا في نهاية الفيلم..

كذلك، المشاهد لم تكن ضخمة كما يتوقّع أحد من قصّة دانكيرك [2]، 400 ألف جندي، الآلاف من العتاد الحربي.. الآلاف من الزّوارق لإنقاذ الجنود.. لكن ذلك لم يؤثّر على ملحمة الفيلم، نولان معروف أنّه لا يفضّل استعمال الـ CGI في أفلامه [3] و يبتعد عنها قدر الإمكان.. لذلك أغلب اللّقطات حقيقيّة و ليس فيها تلاعب ف الغرافيكس.

لن أقولَ أنّ الفيلم أسطوريّ، وحقّا كنت أنتظر شيئا أكبر وأضخم.. لكنّه يبقى من أفضل الأفلام الحربية في تاريخ السّينما.. و سعيدٌ جدّا أنّ نولان قام بإخراج الفيلم بالطّريقة التّي أرادها هو و

ليسَ اعتمادا على أنماط الأفلام الحربيّة السابقة.

[*]

Nimai Kolega.

[1]

[2]

[3]