حكايتي وبحكيها ، ولمين ما كان بهديها .. عن ناس بتصوم ، وعن ناس بتصلي .. عن ضيعة علقانة ، بالحرب على التلة .. وعلقت ما بعرف وين ، وضاعت ما بين حربين .. عن ناس صفيت قولبهم ، وشمسهم صارت فَي .. وبَيقيوا يصّفوها ، تاصار دمهم مَي .. عن ضيعَة معزولة ، ومتفقة على السلام .. وقصّتها مغزولِة ، على شرايط الألغام .. حكايتي وما فيها ، خيالات سحرة سود .. لا هنن أقمار ، ولا هنن ورود .. عيونهن كحلا رماد .. وتايكبروا الأولاد ، حكم عليهم الزمان ، تايلبسوا ثياب سود ..

لا يكاد يوجد فيلم عربي شاهدته واستمتعت به بالكامل ولم أشعر بالملل خلاله ، ربما بسببي أنا فليس لدي خبرة كبيرة بالأفلام العربية .. ولكن يبدو أن نظرتي ستتغير بعد فيلم "وهلأ لوين" اللبناني لمؤلفته ومخرجته نادين لبكي ، أو بالأصح نظرتي ستتغير تجاه الأفلام العربية التي تعرض في المهرجانات الدولية ..

الفيلم اللبناني من إنتاجات 2011 وعرض في مهرجان كان السينيمائي بدايةً قبل أن تشتري حقوق توزيعه سوني بيكتشر كلاسيك .. وهو من إنتاج وإخراج وتأليف نادين لبكي التي لم أعرفها إلا من خلال هذا الفيلم ..

تَقعُ أحداث الفيلم في قريةٍ صغيرة ٍمعزولَةٍ في لُبنان في زمن الحرب الأهليّة.. حيثُ تُحاوِل النسوة فيها إبقاء أزواجِهم بعيدين عن الصراعات الدينيّة الدائرة في الوطن ، وذلك بعد أن بدأت الحرب سابقاً في تلك القرية وراح ضحيّتُها العديد أفراد الأُسر الساكنة هناك .. تُحاوِل النسوة إبقاء السلام في القرية بطُرق ذكيّة كوميديّة أحياناً وسوادويّة دراميّة أحياناً أخرى ..

تبدأ المشاكل في الضيعَة عندما يُحضِر مختار الضيعة التلفزيون لأول مرة ، ويجتمع جميع السُكّان في احتفاليّة صغيرة .. ويُشاهدون الأخبار ، فتقوم النسوة في حركةٍ ذكيّة بالصراخ وافتعال المشاكل بصوت عالي للحيول دون سماع الرجال للأخبار ..

ومن هنا تبدأ معناة النساء مع أزواجِهن لمنع نشوب الحرب مرّة أخرى ، فَيَصِل بهم الحال لجلب راقصات أوكرانيات لإلهاء الرجال بهنّ ، ولدسّ الحشيش داخل طعامهم ، بل حتّى لإخفاء جثّة الابن الذي قُتل لألا يفقد ابنها الآخر عقله ويبدأ الثأر .. كُل هذه الحِيَل بالإضافة للنهاية الغير متوقّعة ، جعلت من هذا الفيلم وجبة لذيذة ودسمة لمشاهدتها ..

موسيقى وأغاني الفيلم من تأليف زوج المُخرجة خالد مزنر ، وقد قامت المُتألقة رشا رزق بغناء أحد أغانيه فزادته جمالاً ، يبدأ الفيلم بمشهد الجنازة وذهاب النساء للمقبرة .. ثُم ينتقل لفاصِلٍ رومانسي يتخيّل فيها العامِل المُسلم بأنه يرقُص مع آمال صاحبة المقهى المسيحيّة .. وهنا يُعلِن الفيلم بصراحة عن الاختلاف الجوهَري في الموضوع ، فليس لأنهم منتمون لنفس الوطن أو لنفس القرية ويتكلمون نفس اللغة ولديهم نفس العادات ويأكلون من نفس الطعام يستطيعان الارتباط ، بل يبقى هناك الحاجز الديني الذي يمنعهم من هذا .. ولكن على الرُغم من هذا ، بيّن الفيلم كيف يعيش سُكان القرية في سلام ، حيث الكنيسة بجانِب المسجد ، وإمام المسجد يُشبه الكاهن كثيراً ، وكِلاهما سَمح الوجه ، ويتّفقان على وجوب السلام في القرية ..

للأسف الفيلم لم ينَل التقدير الكافي ، سواءً كان عربيّاً أو عالمياً .. ومع ذلك فقد رُشّح لنيل جائزة جمعيّة نُقاد السينما لأفضل فيلم أجنبي .. كما كان من ضمن الأفلام المُقدّمة لترشيحات جوائز الأوسكار .. الفيلم يُعتَبر الفيلم الثاني لنادين لبكي –الفيلم الأول باسم سكر بنات- الذي يبدو أني سأشاهده بعد أن أعجبني هذا الفيلم ..

في الحقيقة ، من قرأ تاريخ لبنان الحديث يعلم مدى أهميّة هذا الفيلم ، فبيروت في يوم ما كانت أجمل مدينة عربية قبل نشوب الحرب اللبنانية ، و هو فيلمٌ مهم يُعطي أملاً للشعوب العربية التي تعاني اليوم من ويلات الحرب .. لا يُعطي الفيلم بالطبع حلّاً لمشكلة الطائفية التي نُعاني جميعاً منها .. ولكنّه يُعطي لمحةً عن أين سيكون الحل .. فالفكرة التي يُريد الفيلم إيصالها أن السلام في منطقتنا يبدأ بالنساء .. حيثُ أن الرجال يرونَ في كُل مشكلة تقع أنه عليهم إثبات رجولتهم وإظهار عضلاتهم .. بينما النساء تميل عادةً إلى التوافق والتراضي ، فهل رأيتم امرأة -مثلاً- تُفجّر نفسها ؟ أو تُكفّر من حولها ؟ ..

وأخيراً نَقف في نهاية الفيلم حائرين للسؤال الذي ليس له جواب .. وهلأ لوين ؟ لوين بدنا نوصل بتقتيل بعضنا البعض ؟ ..

هل شاهدتم الفيلم ؟ هل اعجبكم ؟

.

أترككم الآن مع أحد الأغاني المُفضّلة لدي في الفيلم ..